الملحق الثقافي- حسين صقر:
منذ سالف العصر والأوان، لم يخل المشهد الثقافي في الروايات والقصص وقصائد الشعر من حس المرأة ووجودها، وكانت حاضرة في التفاصيل الصغيرة قبل الأحداث الكبيرة، حتى أن البعض يظنون أن العالم امرأة، والدليل أنها كانت محورالحكايات على مرالدهور، ولم تكن تاء التأنيث ساكنة ولا محل لها من الإعراب سوى في النحو، وذلك بهدف تطبيق قواعد اللغة. أما المرأة بحدّ ذاتها فهي حكاية أخرى من حكايا الأدب والشعر والملاحم البطولية، حيث أثبتت وجودها في المكان الذي وطئت فيه وكانت الملكة والأميرة والشاعرة والفارسة والمضحية ووقفت إلى جانب الرجل خلال مسيرة عطاء طويلة.
ويظن الكثيرون أن العالم يسير نحو التأنيث، إن كان سلباً أم إيجاباً، ومادمنا نضع نصب أعيننا رؤية سليمة نحوها، فقد كانت تمثل المحبّة والحنان والرأفة والرحمة والإيثار والعطاء بكلّ معانيه والتسامح والقلب الواسع، وقد رأينا أيضاً الشعر الذي تكتبه النساء، والرواية التي بدأت تطفو على سطح المشهد الثقافي بأسماء نسائية، ولهذا كررالكثيرون بأن: «العالم يمضي نحو التأنيث».
ومع أن تاريخ قمع المرأة معروف للجميع، حيث تم ربطها بالخطيئة دائماً كجسد وصوت، و حضور وحتى كيان مستقل، و وكذلك في شراكتها للزوج، وتم تسجيل الفشل في سجلاتها، والنجاح في قرطاسه.
ولكن بعد هذه المعاناة جاء الحضور القوي للمرأة ليكون هناك إشارة للعالم بأنه ذات يوم وليس ببعيد ستستلم المرأة دفة القيادة.
فالمرأة هي الأرض التي تنبت فيها مختلف صنوف الأشجار والثمار، وهي العطاء عينه والبذل بأبهى صوره، كيف لا وهي لا تعرف المنة، وأكبر خاسر لعدم تقديرها هم الجنس الآخر، إذا لم يحسن روايتها وتنقيتها من الأعشاب الضارة والطفيليات، خاصة وأنه مهما كانت البذار صالحة ومحسنة، فهي لن تنمو إذا لم تتوفر لها التربة الخصبة والظروف المناخية الملائمة.
ولولا ذلك لم نر قط أن المرأة تأخذ دوراً قيادياً في ترميم ما أفسده بعض الرجال، ولهذا بالتأكيد سوف نراها ليس في المشهد الثقافي وحسب، والاجتماعي والاقتصادي أيضاً، والدليل على ذلك، القصيدة والرواية والقصة والكلمة والعبارة والجملة كلها مؤنثة، والليرة والعملة والسلعة والبضاعة كلها أيضاً مؤنثة، والحفلة والمناسبة والجامعة والجمعية والمدرسة وغيرها أيضاً مؤنثة.
ولن نقل أن الوضع اليوم يشهد مخاضاً لولادة عهد جديد، فالمرأة خلال الصراعات المنصرمة وجدت متسعاً للتعبيرعن تاريخ مواجعها، وبدأت ترسم حدوداً لها، و اليوم نجد المرأة في كلّ مكان، ونجدها فجأة تبلغ مراكز مهمة، رغم محاولة الذكور تهميشها.
والمرأة اليوم انتصرت في السرد، ولامست قلوب الناس بلغتها الشعرية، حتى إنها لم تكافأ كما يجب، وما حققته النساء، خلال سنوات خلت كان سريعاً جداً وملحوظاً، ولكنّنا بحكم تربيتنا والأجواء المحيطة بنا، نركز دوماً على الجانب المظلم من الكأس
،متناسين أن بصماتها التنويرية واضحة في العلم والأدب والثقافة، وهنا نراها تكتب كتاباً وهناك تنجز في الرياضيات.
فالمرأة هي سياج العائلة والمجتمع، وروحهما، لكن المزعج بالأمر أن المتتبع لبعض الأشرطة التلفزيونية عن حياة القبائل البدائية في أفريقيا وأستراليا مثلاً يكتشف أن الرجل البدائي لا يعامل أنثاه بالعدائية نفسها التي يستعملها أصحاب ربطات العنق والبدلات الأنيقة ضد الإناث اليوم، ذلك أن الرجل في ذلك الوقت لا يخطر بباله أن تلك الأنثى خطرعليه، ويحترم حتى جسدها العاري، ولا يلمسه ولا يقترب منه احتراماً لقواعد الجماعة التي لم تتلوّث بعد بأفكار دخيلة، تجعل الرجل في خطر إن ضعف أمام جمال الأنثى، أو مال نحوها عاطفياً وغرائزياً.
العدد 1194 – 25 -6-2024