ربط الجامعة والتعليم بسوق العمل لا يزال دون الطموح.. والمراكز التدريبية العامة والخاصة قاصرة عن سد الفجوة
الثورة – تحقيق وفاء فرج:
شعار ربط التعليم والجامعة بسوق العمل لا يزال تطبيقياً دون الطموح، وتشوبه حلقة مفقودة تشكل صلة الوصل بين طالب العمل ومجتمع الأعمال، والبعض يؤكد أن الحلقة المفقودة تكمن في غياب التدريب وقصور المراكز والمعاهد التدريبية على تلبية حاجة العمل من الكفاءات والخبرات المدربة، نتيجة ضعفها فما هو التقييم والحلول؟
مدير معهد الصناعات الكيميائية المهندس خالد الشلدي متحدثاً باسم المعاهد التقانية التابعة لمديرية الإشراف على التأهيل الفني في وزارة الصناعة بين أن ربط خريجي المعاهد التقانية بسوق العمل وتدريبهم لدى شركات ومؤسسات القطاع الخاص يعطي قيمة مضافة كبيرة للخريج ومهاراته التي يكتسبها خلال فترة دراسته في هذه المعاهد، ما يسهم في تطوير مهاراته العلمية والعملية من خلال الاحتكاك المباشر بسوق العمل من جهة، ومتطلبات هذا السوق من جهة ثانية، ويسهم في إعداد المدرب القادر على الدخول إلى سوق العمل بالشكل الأمثل.
وأكد وجود ضعف في رفد سوق العمل بالخريجين من المعاهد التقانية نتيجة عدم معرفة الصناعي بهذا الخريج والمهارات والخبرات التي يكتسبها خلال فترة دراسته، وهذا بحاجة إلى دعم من قبل غرف الصناعة للتسويق للخريج لدى الصناعيين وإمكانية تدريبه لديهم ضمن معسكرات التدريب الصيفي أو من خلال الجولات الاطلاعية لهذه الشركات.
وقال الشلدي: إلى حد ما فإن المعاهد التقانية قادرة على تأمين مستلزمات العملية التدريبية بشكل جيد نوعاً ما، مع وجود معوقات من ارتفاع الأسعار بشكل كبير، كما أن قسم من المعاهد يستعين حالياً بمجمعات التدريب المهني لتذليل هذه العقبات، و بما يسهم في اعداد الانسان المدرب والقادر على الدخول إلى سوق العمل بالشكل الأمثل .
حلقة مفقودة
عضو غرفة تجارة دمشق محمد الحلاق أكد أن التدريب يتم من خلال دورات تدريبية بسيطة وغير معمقة وشكلية وغير متطابقة مع متطلبات سوق العمل، وبذات الوقت الأشخاص الذين سينضمون إلى سوق العمل ليس لديهم فكرة عن سوق العمل بشكل جيد، مبيناً أن هناك حلقة مفقودة في مكان ما، منوهاً بأن سوق العمل له شروط خاصة به.
وبين أن هناك الكثير من منصات العمل وجهات متعددة تحاول رفد سوق العمل بكفاءات، وهذا أمر إيجابي، إلا أنه يجب أن تكون بالمحصلة إحدى الوزارات كوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل معنية بالأمر، على أن يتم التوظيف عن طريقها في شركة من الشركات وتكون مسؤولة بشكل أو آخر عن الموظف، مبيناً أن هذا الأمر له أبعاده وخصوصيته بالسوق السوري، وبالتالي يجب أن تكون الوزارة شريكاً بتحمل المسؤولية عندما ترفد سوق العمل بكفاءات معينة مع المؤسسة التي يعمل فيها هذا الكادر.
تعزيز دور المراكز التدريبية
وأوضح الحلاق أن المراكز التدريبية العامة والخاصة ما لم تأخذ بعين الاعتبار مشكلات أصحاب الأعمال بشكل حقيقي وتواصل دائم بين هذا المراكز وأصحاب الأعمال لمعرفة احتياجات ومشكلات كل مفصل من المفاصل، سوف تبقى قاصرة على رفد سوق العمل بالخبرات المطلوبة، موضحاً أنه عندما توضع مراكز التدريب في هذه الحيثيات تقوم بتعليم المندوب وتدريبه، ما يؤكد الحاجة لدور الوزارة بربط الموظف بالعمل، نافياً أن يكون قطاع الأعمال مستغنياً عن الموظف.
المعاهد التدريب تكرر نفسها
عضو اتحاد غرف الصناعة- وأمين سر غرفة صناعة حمص عصام تيزيني قال: إن سياسات التدريب المهني في سورية تائهة بين الحداثة والتطوير، فلا هي حافظت على المهن التراثية القديمة التي تشكل إرثاً حضارياً طالما كانت تفتخر به سورية عبر التاريخ، كالحرف اليدوية القديمة في أسواق المدن، ولا هي استطاعت أن تواكب الحداثة المهنية بتفاصيلها العصرية والتكنولوجية فتوقفت بين الماضي والحاضر.
وتابع القول: طبعاً هذا سببه ليس مهارة المتدرب وقدراته إنما سببه عدم وجود دراسة جيدة وقراءة لواقع الحرف والصناعة وتطورهما، وبالتالي عدم القدرة على التنبؤ السديد بحاجة سوق العمل ومتطلباته.
وبين أن كل المعاهد المتخصصة بالتدريب المهني تكرر نفسها سواء الخاصة أم حتى الثانويات والمعاهد الصناعية.. فمنهجها قديم لا يتواءم مع التطور الذي يشهده عالم الحرف والصناعة، وأدوات التدريب فيها قديمة، والمدربون نفسهم بحاجة إلى تدريب.
وأكد أن التطور السريع في عالم الحرف يتطلب من القائمين على التدريب المهني أن يكونوا مرنين ومواكبين لكل جديد.
الافتقار إلى مراكز ذات الاعتمادية العالية
بدوره عضو جمعية العلوم الاقتصادية الدكتور فادي عياش قال: جميع المهتمين والعاملين في مجال الأعمال والإدارة سواء العامة أم الخاصة، يرددون عبارات التأكيد على ضرورة وأهمية التدريب للارتقاء بالأداء وزيادة الإنتاجية وتخفيض التكاليف، وبالتالي نجد أن إدراك أهمية التدريب وضرورته متوفرة عموماً، إلا أن المشكلة التي تظهر في النتائج تعود إلى التطبيق كما هو معتاد في الكثير من المجالات.
وأوضح أن المنهجية العلمية تقتضي قبل التدريب، حسن اختيار العاملين وفق معايير علمية ومهنية وحتى جسمية ونفسية مناسبة لطبيعة العمل ومهامه، ثم تحديد الحاجات التدريبية بدقة والأهداف المتوقعة من التدريب، وبعدها يجب تحديد مكان التدريب هل هو تدريب داخلي أم خارجي بحسب طبيعة الأعمال، ومن ثم العمل على تحديد واختيار جهة التدريب أو المدربين والحقائب التدريبية المناسبة والاعتمادية المطلوبة والتكاليف المتعلقة بكل ذلك.. وأخيراً يتم تحديد معايير تقييم الاستفادة من التدريب أثناء وفي نهاية التدريب.. ولاحقاً يتم تقييم مدى تحقق الأهداف المرجوة من التدريب بعد البدء في التنفيذ والتطبيق.
وأكد أن التدقيق في الخطوات السابقة يساعدنا في تحديد المشكلات التي تواجه التدريب وتبرر الحصول على النتائج المطلوبة.. فأي خلل في الخطوات السابقة سيترك أثره السلبي على النتائج.. وعموماً مازلنا نعاني من ضعف كبير في ثقافة التدريب ومفهوم الإنفاق على التدريب، فتكاليف التدريب يجب أن تكون تكاليفاً استثمارية وليست جارية.
وكذلك نفتقر للتطبيق الصحيح والفعلي لمفاهيم إدارة الموارد البشرية في مؤسساتنا شركاتنا وفي القطاعين العام والخاص.. وهي التي يناط بها التوظيف والتدريب والتأهيل والتقييم.
ويمكننا القول: إن التدريب المهني أكثر استقراراً من أنواع التدريب الأخرى.. إلا أنه مازال يعتمد إلى حد كبير على الأساليب التقليدية والتقنيات المتقادمة، وهذا لا يتوافق مع متطلبات سوق العمل من ناحية، ولا يواكب التسارع التقني الكبير في مختلف النواحي المهنية والفنية من ناحية أخرى.
وبين الدكتور عياش أن الارتقاء في الأداء وتعظيم الإنتاجية على مستوى الإدارة والتكنولوجيا والمهارات والمهنية يعتمد على التكامل بين التعليم بجميع مراحله وبين التدريب الذي يدعم التعليم بالمهارات والخبرات الضرورية، مشيراً إلى أن وزارة التنمية الإدارية حاولت في فترة سابقة تحديد اعتمادية للتدريب في القطاع العام إلا أنها لم تستكمل.. كما تحاول غرف التجارة والصناعة اعتماد مفاهيم التلمذة التجارية التلمذة الصناعية وكذلك ما يتعلق بالمدارس المهنية، والجهود تحتاج إلى التنسيق.
وربط الدكتور عياش نجاح التدريب في الاستجابة لمتطلبات سوق العمل الحالية والمستقبلية، مبيناً أنه يجب تحديد الاحتياجات التدريبية وتحديد التوجهات المستقبلية وتصميم البرامج التدريبية المناسبة لتلك الاحتياجات والتوجهات بغية تأهيل الموارد البشرية وبشكل استباقي لتلبية احتياجات سوق العمل.
استثمار الموارد البشرية
أخيراً أكد أن التدريب كما التعليم هو استثمار في أغلى وأهم الموارد المتاحة أي الموارد البشرية.. ولذلك يجب أن يخضع لمعايير ذات مسؤولية واعتمادية عالية بعيداً عن المتاجرة ومفاهيم الربح والخسارة.. فالتدريب استثمار بعيد الأجل.