الدعم النقدي يتجاوز عيوب الفساد والتشوهات السعرية … خبير اقتصادي لـ “الثورة”: لا مشكلة في عدد الحسابات مهما بلغت
الثورة – دمشق – وعد ديب:
لنتحدث بصورة منطقية.. ولنسأل السؤال الأهم لماذا يوجد في الدول مصطلح الدعم، وتنفيذ الدعم سواء أكان دعما سلعيا أم دعما نقديا؟
بهذا التساؤل بدأ الأستاذ والخبير الاقتصادي علي محمد حديثه الخاص لـ”الثورة” حول القرار الحكومي بتحويل الدعم السلعي إلى نقدي، وقال: إن الدعم وسيلة تساعد ذوي الدخل المنخفض أو ذوي الشرائح الفقيرة بمبالغ ودعم معين في سبيل تحسين مستوى معيشتها، عن طريق الدعم السلعي أو الدعم النقدي.
أشكال الدعم
وبالتالي هذا الدعم الذي تنتهجه الدول بأشكال متعددة، الهدف منه مساندة هذه الأسر في تلبية احتياجاتها في حياتها العادية، وبناء عليه فإن موضوع الدعم وتحويله إلى دعم نقدي، هو عبارة عن توجه حكومي بأعلى مستوياته وبكل وزاراته، ومن هنا فإن الحديث عن أنه جيد أم غير ذلك هو عبارة عن نتائج من النقاشات في كل الدول، لذلك نجد بعضا من هذه الدول تدعم السلعة والبعض الآخر تتحول إلى الدعم النقدي، وكمثال على ذلك بعض من دول أمريكا اللاتينية التي تحول بعضها إلى الدعم النقدي منذ زمن طويل.
ويرى محمد- أن ما تقوم به الحكومة الآن هو تجاوز بعض العيوب في دعم بعض السلع منها على سبيل المثال الهدر والفساد في التوزيع، إضافة إلى غياب المعلومة الصحيحة لتكلفة هذه السلعة وما يشوبها من مشاكل وربما احتمالات وجود حالات فساد وتبذير، وكمثال وجود الكثير من الحالات التي ثبتت خلال السنوات الماضية في بعض المخابز وبعض محطات الوقود وغيرها.
أسعار مغلوطة
النقطة الأخرى التي نوّه لها الخبير الاقتصادي أن كل ماله علاقة بالدراسات للمستقبل سواء أكانت صناعية أم تجارية وحتى خدمية وغيرها، تبنى على أسعار مغلوطة، وبالتالي تكون نتيجة هذه الدراسات غير دقيقة، وبوجود الدعم أحياناً للسلعة يسبب بشكلٍ أو بآخر تشويها وتعددا للأسعار ومن هنا، فالتحول للدعم النقدي يسهم كذلك في هذا الإطار حسب ما قامت به بعض الدول الأخرى أي ليس سببا رئيسيا لتقوم عليه الدراسات، لكن يساهم بتحسين هذه الدراسات مثل ما قامت به بعض الدول الأخرى.
وذكّر بحجم الدعم في موازنة العام الحالي ب٦٨٠٠مليار ليرة من أصل إجمالي الإنفاق العام، والذي هو٢٦٥٠٠مليار ليرة، أما إجمالي الموازنة فهو الإنفاق الجاري، والذي هو٢٦٥٠٠مليار ليرة، ويضاف له ٩٠٠٠مليار ليرة الإنفاق الاستثماري، ونتكلم عن إجمالي موازنة بلغت ٣٥٥٠٠ مليار ليرة لعام ٢٠٢٤.
وباعتقاد الخبير محمد أن كتلة الدعم ستمضي خلال هذا العام وسيبقى الوضع على حاله، رغم الرفع المتتالي للدعم عن مادة البنزين بشكل خاص، والتي شهدت ارتفاعا متتاليا لهذه المادة خلال النصف الأول من عام ٢٠٢٤، ولكن بالمقابل هذه الوفورات هي التي اتجهت إلى الزيادة على الرواتب منذ عدة أشهر.
٤.٦٠٠ ملايين بطاقة أسرية
وتابع: إذا افترضنا أن كتلة الدعم نفسها ستكون في موازنة العام القادم، وهذا الحديث يمكن أن يفصح عنه في الشهر العاشر من هذا العام، عند إعداد مشروع موازنة ٢٠٢٥، لتكون هذه الكتلة ربما مقدمة لطريقة حساب حجم الدعم المقدم لكل أسرة بشكلٍ وسطي، لأن هناك حوالي ٤ملايين و٦٠٠ألف بطاقة لأسر تتوزع أفرادهم من فردين إلى عشرة أو ثلاثة عشر فرداً يحصلون على مستحقاتهم من مادة الخبز وعلى مستحقات من مادة المازوت بواقع ٥٠ليتراً سنوياً وعلى مستحقات من مادة الغاز بواقع وسطي خمسة جرار غاز سنوياً، وبالتالي بالنسبة لهاتين المادتين(الغاز-المازوت) تحسب بها التكلفة وتباع بسعر التكلفة والفارق بين المباع حاليا هو سعر التكلفة المزمع إطلاقه، سيكون هو عبارة عن دعم نقدي يوجه لحسابات حاملي البطاقات نقداً وكذلك الأمر بالنسبة لمادة الخبز.
من سيحدد التكلفة
ولفت أن الفكرة من ذلك هو من سيحدد سعر التكلفة، وهل ستحدد القيمة الفعلية أم لا، بشكل دقيق للمواطنين بحيث يتم إزالة أي لبث يتعلق باحتساب التكلفة، ويتم تقبله بشكل سلس.
مشيراً إلى أن سبب هذا التساؤل هو ما أثاره وزير المالية الدكتور كنان ياغي عندما قال في تصريح له: إن تكلفة الخبز هي٨٥٠٠ليرة، وهو مبلغ كبير ووضع السبب إلى كيلو القمح المشترى من الفلاح بسعر٥٥٠٠ليرة، إضافة إلى سعر كيلو الدقيق، أي أن هناك عوامل أخرى تدخل في حساب تكلفة الخبز وهذه لها حسابات أخرى.
ومن هنا- والكلام لمحمد- من سيحدد هذا الرقم، وهل سيتم تحديد التكلفة النهائية أم ستكون بشكلٍ تدريجي منوهاً إلى أن كل هذه الأسئلة مثار تساؤل صحيح، ولكن بالنهاية الحكومة ستقرر.
غير معبد بالورد
الخبير الاقتصادي نوّه بأن تطبيق الدعم النقدي ليس بالخطوة السهلة وأن طريق الدعم غير معبد بالورود، فهناك بعض الصعوبات والتحديات ربما الصعوبة الأولى تتمثل من قبل بعض المواطنين بفتح حسابات مصرفية، نحن نتكلم عن ٤ملايين و٦٠٠ألف بطاقة فارضين جدلاً أن من الموظفين الحكوميين البالغ عددهم بشكل كامل مليونين و٦٠٠ألف موظف حكومي سنفرض أن مليونين منهم لديهم حسابات توطين الرواتب، لا داعي أن يفتحوا حسابات وأن منهم على سبيل المثال ٥٠٠ ألف حساب مصرفي لموظفين لديهم حساباتهم بالمصرف العقاري، وسنفرض أن عدداً لا بأس به من موظفي القطاع الخاص أيضاً لديهم حسابات بالمصارف موطنة من قبل الشركات والمؤسسات التي يعملون بها، وبشكلٍ عام يوجد عدد من المواطنين وبكل تأكيد لديهم حسابات لدفع فواتير أو غيرها.
يبقى لدينا رقم ربما يناهز مليونين ونصف يحتاجون إلى فتح حسابات مصرفية- والكلام لمحمد- بأننا نفرض أقصى الأرقام.
ويقول الخبير الاقتصادي: صحيح أن هذا الرقم سيشكل زيادة في الطلب أو زيادة في الأعداد التي تتوافد إلى فروع المصارف، وبفترة مهلة الثلاثة أشهر التي وضعتها الحكومة، ستنجز نسبة لا بأس بها من الحسابات المصرفية، وربما تمدد المهلة الحكومية لاستمرار فتح الحسابات المصرفية.
الخيارات لتخفيف الازدحام
وأضاف: لاشك أن جميع المصارف وبتوجيهات من المصرف المركزي وضعت كل قدراتها وموظفيها في خدمة هذه العملية، وبمتطلبات بسيطة كصورة للهوية الشخصية، وبحد أدنى لفتح حساب بقيمة١٠آلاف ليرة سورية، وربما يحدث تزاحم في أحد الفروع، وهنا على المواطن أن يختار الفرع الذي يراه مناسباً.
محمد- أشار إلى مشكلة تتعلق بقدوم سكان الأرياف إلى المدن لفتح حسابات مصرفية، وهذه المشكة لا يمكن تجاهلها، ولكن من المحتمل بعد مضي أيام من الثلاثة أشهر الممنوحة وتحديداً في نهايات هذه الفترة، قد يكون هناك انخفاض بأعداد المراجعين لفروع المصرف، لفتح الحسابات، وبالتالي انخفاض بالازدحامات، بما يسهل إلى حد ما من تقليل الوقت الذي يحتاجه ابن الريف.
القدرة على استيعاب الحسابات
وأشار إلى أن بعض الأحاديث التي يتم الحديث عنها حول عدم قدرة المصارف على فتح هذه الحسابات للمليونين ونصف أو أكثر، فالرد على ذلك بتصفح وسائل التواصل الاجتماعي ليروا عروض البنوك وكيف تتسابق في فتح تسهيلات معينة للزبائن، تتمتع بسهولة وسلاسة في فتح هذه الحسابات، وهذه من الأمور اللوجستية لدى المصارف حتى وصل الأمر عند بعضها بوضع رقم هاتف يتم حجز دور من خلاله لفتح حساب مصرفي.
ويؤكد محمد على أن المصارف في سورية جاهزة ولديها القدرة على استيعاب عدد كبير من الحسابات، وأن المصرف المركزي لديه كامل المعلومات بقدرة الأنظمة المصرفية التي تعمل بها المصارف على فتح هذه الحسابات دون حدوث مشكلة.
لا يمكن التكهن بالكتلة النقدية
ورداً على سؤال”الثورة”حول قيمة الكتلة النقدية المخصصة للدعم قال -محمد- لا يمكن التكهن بمبلغ الدعم الذي سيتم صرفه، ولكن لا أعتقد أن هناك صعوبة فعدد البطاقات موجود وعدد أفراد الأسرة موجود والمستحقات موجودة، وهنا يجب أن يوضع فقط السعر الذي ستباع به السلعة ويخصم السعر الذي يبيع فيه الآن ليصدر المبلغ الذي ستدعم به المواطن، وبالتالي سيتم وضع الأموال إما بشكل شهري أو ربعي أو نصف سنوي وسنوي، وهذا الموضوع من الأمور التي سيتم الحديث عنه من قبل الحكومة خلال الفترة القادمة.
دراسة شاملة
وعن أهمية قرار الدعم النقدي، يقول الخبير الاقتصادي: يجب أن يكون محل دراسة شاملة ومتوازنة من قبل الحكومة، بكل حيثياته سواء من حيث المدة اللازمة لفتح الحسابات المصرفية، والتي باعتقادي ستمتد لنهاية العام الحالي، إضافة إلى ذلك سهولة التحديث الدائم لأسعار التكلفة، ومن ثم بدلات الدعم النقدي التي ستوضع بالحسابات.
ولابد من الإشارة إلى دراسة كيفية التحويل ربعي- سنوي لبعض المواد أو كل مادة على حدة حسب طبيعتها ربما مادة الغاز ربعي على سبيل المثال والخبز شهري، وماذا عن باقي القطاعات الأخرى كالكهرباء والماء، هل ستبقى على حالها أم سيشملها عمل آخر في الفترة القادمة؟.
حتى لا نتعثر
في هذا الصدد -يشير محمد- إلى أن موضوع القطاعات الأخرى يحتاج إلى دراسة معمقة وأن تكون واضحة وسلسة الأمر الآخر يتعلق بصرف هذه المستحقات وهل سيحدث تزاحم أم لا، وهذا يتوجب أن يكون ضمن الخطة الحكومية لصرف هذه المستحقات من خلال صرافات المصارف أو فروعها المنتشرة، أو ابتداع طرق أخرى للسداد في المناطق التي لا يتواجد فيها فروع للمصارف، أو أن تكون قليلة، فبعض المواطنين قد يتركون جزءاً من هذه المستحقات لاستخدامها في الدفع الالكتروني للفواتير وغيرها، طالما أن الدفع الالكتروني، وكل ماله علاقة بمتطلبات التقنية هو لغة العصر ونحن ندفع بهذا الاتجاه بكل تأكيد، ولكن الدراسة التي أشرت إليها يجب أن تلحظ البنية التحتية لمنظومة الدفع الالكتروني ككل، والأمر الآخر المتعلق بكيفية صرف هذه المستحقات، وهل سيحدث تزاحم أم لا؟ وماذا عن كيفية توزيع نقاط الأموال في المصارف؟
خاتماً.. إن كل هذا يجب أن يكون محل دراسة متكاملة حتى لا نتعثر بالمرحلة المقبلة.