الخداع الصّهيوني.. مقايضة الوهم بالوقت

الملحق الثقافي- كمال الحصان :
حدثني أحد المفاوضين الفلسطينيين- وليس كبيرهم- إن المفاوضين «الصهاينة»، يأتون الى طاولة المفاوضات معنا، وليس في يدهم ورقة، ولا في جيبهم قلم، ولا أمامهم ملف، يجلسون قبالتنا على الطاولة، يستمعون ويستمعون، بينما نحن نسهب في الحديث ونغرق في التفاصيل ونكاد نتصبب عرقاً من»الجدية والحماسة التفاوضية» ساعات وساعات، إلى أن تنتهي الجلسة، لنعود في الجلسة التالية، ونعيد المشهد نفسه، وهكذا- كما يقال- دواليك…! دون أية نتيجة!، بحيث يتضح لنا، ولكل ذي بصر أو بصيرة، أن هؤلاء الصهاينة قد ابتدعوا أسلوباً من «التفاوض» مع الفلسطينيين، يقوم على خدعة فحواها: نفاوض ونفاوض ثم نفاوض، إلى أطول زمن ممكن، بهدف وحيد هو، عدم التوصل إلى أية نتيجة، أو الاتفاق على أية نقطة، مهما كانت أهميتها، وذلك لأنهم في الحقيقة لا يرون للمفاوض «الآخر» أية وجود، وهدفهم الوحيد هو أن «تفاوض» بهدف إضاعة الوقت فقط، مع تزيين الوهم وتلوينه أمام الطرف الآخر، وبما أن «المفاوضات حياة» على حد تعبير «كبير مفاوضينا الأشاوس»! فهذا يعني، أن هذه المفاوضات، يجب أن تدوم مدى الحياة وحتى إلى ما بعد الحياة…!؟ فإذا قعد مفاوض قام آخر.! وإلا ما معنى أن المفاوضات هي حياة …؟!
إن القانون الدولي، يعرّف التفاوض السياسي، بأنه أحد الوسائل السياسية، لحل النزاعات بين الشعوب والدول والأطراف، ولكنه ليس وسيلة بأي شكل من الأشكال، لإعادة «المسروقات» من السارق للمسروق، لأن الهدف الوحيد في مثل هذه الحالات، هو عودة الحقوق (المسروقات) لأصحابها الشرعيين، دون نقص أو مراوغة.
وهنا تبرز الحكمة والرؤية الاستراتيجية في قول قائد الأمة الملهم وحكيمها، الرئيس المقاوم، بشار الأسد، لا تسوية على الحقوق ولا تفاوض عليها، وهو قول فيه من الدقة والحنكة والواقعية، ما يعوز دعاة التفاوض والتنازل، اتباع القول السقيم والعقيم، (المفاوضات حياة…!؟)، والذين ندعوهم للعودة إلى جادة الصواب، والتمسك بحقوق شعبنا، كاملة غير منقوصة، لأن ذرائعيتهم و»واقعيتهم» تدمر ولا تعمر، وتهدم ولا تبني.
إن العدو الصهيوني، ومن خلال «مفاوضات» كهذه، يبيعنا الوهم الخادع الذي هو أحد أهم أسلحته الإجرامية، وهو «السلام» معه، وشراء الوقت (الضائع)، وهدره سنة إثر سنة، ومرحلة بعد أخرى، لحقن هذا الوهم، بشروط ومفاهيم ومصطلحات عبثية وزائفة، ومخططات شيطانية لتثبيت تعلقنا بالأوهام من جديد ، بل وجعل هذا التعلق «عقيدة سياسية» في عقول المتخاذلين، مخفياً بذلك مخططاته التوسعية والعنصرية في المنطقة بكاملها، وتالياً، صهينتها «وأمركتها»…وليس صعباً، أن نرى مراحل تنفيذ مثل هذا المخططات ومثل هذا الخداع، بعد أن أصبحت ممارسته مكشوفة ومفضوحة، ومنها مثلاً، رفض مشاركة أية جهة دولية في المفاوضات، وكذلك إصرارها على أن تبدأ لمفاوضات في كل مرة من الصفر…. وكذلك إصرارها على عدم تحديد أي إطار زمني لأي مفاوضات…إلخ، ونؤكد هنا، إلى أن رفض هذا العدو لمجرد حتى الإشارة إلى حدود احتلاله واغتصابه واستيطانه في أي اتفاق، هو تمسك واضح وتأكيد فاضح لأهدافه التوسعية الاحتلالية من خلال شعاره المعروف:من الفرات إلى النيل ….
نعرف جميعاً ما قاله الإرهابي المجرم الصهيوني «شامير» في مفاوضات مدريد عام1991 م (سأفاوضهم عشرين عاماً…) وهو ربما كان يعنى مفوضات مدى الحياة كما ذكرنا سابقاً، حيث يعتقدون أنهم خلال هذه المماطلة والاوهام في إطالة زمن المفاوضات، سيتمكنون (بالدعم الغربي والأمريكي)، من فرض وقائع استيطانية جديدة على الأرض، والتمكن في الوقت نفسه، من العمل على مزيد من أضعاف وتفتيت الصف العربي وشرذمته، كما ومحاولات فرض التطبيع والسيطرة، بأشكال ومسميات مختلفة، ثم توالت، كما هو معروف، جولات( ملهاة ) المفاوضات بعد ذلك ، جولة بعد أخرى، من أوسلو عام 1993 إلى اتفاق القاهرة 1995 وطابا 1995 والخليل 1997 ثم واي ريفر 1998 وشرم الشيخ 1999 وكامب ديفيد 2000 وخريطة الطريق وادي عربه…إلخ، وكل ذلك لم يسفر عن تحرير شبر واحد من أرضنا العربية الفلسطينية، ولا عن إطلاق سراح ولو أسير فلسطيني واحد من آلاف الأسرى الفلسطينيين لدى سجون الاحتلال الصهيوني، وفي كل الاتفاقيات والمفاوضات التي جرت وتجري، تجسدت عقلية «الفكر اليهودي» الذي يحتقر ويستعبد الإنسان، وأنهم كما «يُزَوّرون في الكتب»… « شعب «الله المختار»…،! مع أنه من الثابت حتى لدى المؤرخين أنهم «جيش الإمبريالية «المُخْتَرَعْ»… ليس إلاّ.
في هذا الإطار، ومن مستلزمات تنفيذ مخططاتها الإحلالية والإجرامية، تقوم «إسرائيل»، بتصعيد نشاطاتها الاستيطانية، بشكل متسارع ومكثف، وتعتدي على لبنان باستمرار، وقامت بتدمير قطاع غزة ونفذت مجزرة قانا وساهمت في تدمير العراق ورفعت شعار «يهودية الدولة» ونجحت في شق الصف العربي الرسمي، وغذت النزعات الانفصالية والطائفية في العراق والصومال والسودان.. وأيضاً كل هذا والمفاوض الفلسطيني غارق في «عسل» التفاوض ونائم على حرير الخداع الوثير…
في أول اتفاقية موقعة مع العدو الصهيوني (اتفاقية أوسلو المشؤومة «عام 1993 تجسدت العقلية الصهيونية المعادية حتى للإنسانية، بوضوح وعنجهية ونازية، فكل نصوص الاتفاقية، كانت نموذجاً كاملاً لما يمكن أن يسمى «اتفاقيات الأفعى والنملة»، فقد رفض حينها العدو الصهيوني، حتى ذكر كلمة- الشعب الفلسطيني- في الاتفاقية، ففي عقيدته أن الفلسطينيين عبارة عن «جماعات سكانية» مجهولة الهوية والمنشأ،، كما رفض بإصرار أي ذكر لمفردة «وطنية فلسطينية»، باعتبار أنه لايرى وجود أية أرض يمكن أن تسمى أرضاً فلسطينية: (مقولته الاستيطانية أرض بلا شعب لشعب بلا أرض)…
وبالمقابل، ومن حتمية تاريخية تقول: إنه لا يضيع حق وراءه مقاوم، فقد كانت حكمة وبطولة وشجاعة القائد الراحل حافظ الأسد حين رفض بكل حزم وقوة وإصرار، هذه الاتفاقية جملة وتفصيلاً، وأدان موقعيها ودعاتها بشكل حاسم ومطلق وأدرك ببصره الثاقب والصادق والعروبي مدى خطورة الفخ الصهيوني الذي تخفيه مثل هذه الاتفاقيات للعرب والعروبة وليس لفلسطين فقط، وذلك من خلال تضييع الوقت وبيع الوهم وتمرير الخداع ، وفعلاً نحن نرى الآن، إن سقف المطالبة بالحقوق الفلسطينية قد بدأ ينخفض، بحيث أصبح هدف تحرير فلسطين من البحر إلى النهر «خشبيا» ومجرد وقف الاستيطان الصهيوني في الضفة أصبح يعتبر نصراً كبيراً.
قالت المجرمة «غولدا مائير» رئيسة وزراء العدو الصهيوني في مذكراتها اللعينة: إن أتعس يوم في حياتها، كان يوم حرق المسجد الأقصى، وإن أسعد يوم في حياتها كان هو اليوم التالي لذلك، عندما رأت أن العرب والمسلمين لم يفعلوا شيئاً للرد على هذا العدوان الخطير.
فهل يتعظ «الواقعيون» واليائسون والانهزاميون، ويثوبون إلى رشدهم، ويلتحقوا بنهج المقاومة التي لا يفهم العدو لغة سواها، وليكونوا مع أمتهم قلباً واحداً ويداً واحدة، حتى ولو كانت يداً (شَلّاء)، فالعرب تقول: إن « يدك منك ولو كانت شلاء»….
في خضم كل هذا التآمر على القضية المركزية العربية، القضية الفلسطينية، نختصر بثقة الواقع والتاريخ، عهد «أمان وأمن وثقة» بأن التحرير والعودة، قد ثبتتا بكلمة قالها السيد الرئيس المقاوم، قائد الأمة وحكيمها، بشار الأسد، مؤخراً في أحد كلماته الهامة والمفصلية، وذلك في مجال تأكيد موقفه من القضية الفلسطينية حيث قال: إن علاقتنا مع الفلسطينيين هي علاقة أهل …
هذا هو عهد وميثاق التحرير والعودة…. من دمشق الكرامة والعروبة.
الأمة العربية كلها، تبايعك أيها الرئيس الملهم والمقاوم ومعك إلى الأبد.
فطريقك هو طريق الحق والكرامة والعزة، ولا قوة فوق قوة الحق والمقاومة.
باحث وكاتب سياسي
                           

العدد 1196 –9 -7-2024        

آخر الأخبار
تفعيل خدمة التنظير في مستشفى طرطوس الوطني طرطوس.. صيانة وإزالة إشغالات مخالفة ومتابعة الخدمات بيان خاص لحفظ الأمن في بصرى الشام سفير فلسطين لدى سوريا: عباس يزور دمشق غدا ويلتقي الشرع تأهيل المستشفى الجامعي في حماة درعا.. مكافحة حشرة "السونة" حمص.. تعزيز دور لجان الأحياء في خدمة أحيائهم "فني صيانة" يوفر 10 ملايين ليرة على مستشفى جاسم الوطني جاهزية صحة القنيطرة لحملة تعزيز اللقاح الروتيني للأطفال فيدان: الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا تزعزع الاستقرار الإقليمي الجنائية الدولية" تطالب المجر بتقديم توضيح حول فشلها باعتقال نتنياهو قبول طلبات التقدم إلى مفاضلة خريجي الكليات الطبية مؤشر الدولار يتذبذب.. وأسعار الذهب تحلق فوق المليون ليرة الكويت: سوريا تشهد تطورات إيجابية.. و"التعاون الخليجي" إلى جانبها مع انتصار سوريا معاني الجلاء تتجد الإمارات تستأنف رحلاتها الجوية إلى سوريا بعد زيارة الشرع لأبو ظبي الاحتلال يواصل مجازره في غزة.. ويصعد عدوانه على الضفة مصر والكويت تدينان الاعتداءات الإسرائيلية وتؤكدان أهمية الحفاظ على وحدة سوريا بعد أنباء عن تقليص القوات الأميركية في سوريا..البنتاغون ينفي إصلاح محطة ضخ الصرف الصحي بمدينة الحارة