“سي جي تي إن”: السوق الاقتصادي في الصين مستمر بمزيد من الإصلاحات

الثورة – ترجمة ختام أحمد:

في كانون الأول ١٩٧٨، بدأت الصين إصلاحات التحول من الاقتصاد المخطط إلى اقتصاد السوق، واستمرت في تعزيز الإصلاحات الموجهة نحو السوق منذ ذلك الحين، مع تعزيز دور آليات السوق في تخصيص الموارد بشكل مطرد. ومع تعميق الإصلاح والانفتاح، نما اقتصاد الصين بشكل كبير، مع ظهور كيانات السوق مثل الشركات المحلية والشركات الفردية والمؤسسات ذات الاستثمار الأجنبي بسرعة.

وعلى وجه الخصوص، أظهر الاقتصاد الخاص، الذي كان متواضعاً في بداياته، مساهمات كبيرة، حيث مثل أكثر من 50% من عائدات الضرائب في البلاد، وأكثر من 60% من الناتج المحلي الإجمالي، وأكثر من 70% من الابتكارات التكنولوجية، وأكثر من 80% من فرص العمل في المناطق الحضرية وأكثر من 90% من جميع الشركات. وتؤكد هذه الإنجازات على النتائج المهمة التي حققها تطور اقتصاد السوق في الصين. والمفتاح إلى هذه الإنجازات هو الجهود الدؤوبة التي تبذلها الصين لتحسين بيئة الأعمال.

إن مدينة ونتشو الواقعة في مقاطعة تشجيانغ الصينية هي مثال واضح على ذلك. تقع ونتشو في جنوب المقاطعة، وكانت تعاني من الفقر بسبب موقعها غير الساحلي ومساحة الأراضي الصالحة للزراعة المحدودة للفرد (حوالي 353.34 متراً مربعاً فقط). بعد عام 1978، تولت ونتشو زمام المبادرة في استكشاف اقتصاد السوق. في 11 كانون الأول 1980، أصدرت إدارة بلدية ونتشو للصناعة والتجارة رخصة عمل لتشانغ هوامي، وهو فرد، لأول مرة في الصين منذ عام 1978، إيذاناً ببداية اقتصاد السوق في ونتشو.

وفي وقت لاحق، كانت ونتشو رائدة في إنشاء أول سوق متخصصة، وأول “مدينة فلاحية”، وغير ذلك من الإصلاحات الموجهة نحو السوق. ونجحت ونتشو في تطوير الصناعات غير الزراعية من خلال الصناعات المنزلية والأسواق المتخصصة، الأمر الذي أدى إلى خلق نموذج ونتشو المعروف في المراحل الأولى من تحول الصين إلى اقتصاد السوق.

لقد تغلبت آلاف الشركات العائلية الفردية على عيوب ونتشو في الموقع الجغرافي وندرة الموارد، ما أدى إلى التنمية الاقتصادية السريعة، وازدهار اقتصاد السلع الأساسية وتحسينات كبيرة في مستويات معيشة الناس. وارتفع الناتج المحلي الإجمالي لوينتشو من 1.32 مليار يوان (182 مليون دولار أمريكي) في عام 1978 إلى 82.8 مليار يوان (11.4 مليار دولار أمريكي) في عام 2000، بمعدل نمو سنوي متوسط ​​بلغ 15.6٪.

كما أصبح نموذج ونتشو تجسيداً حياً لاستكشاف الصين المبكر للإصلاحات الموجهة نحو السوق. فمع دخول القرن الحادي والعشرين، سارعت ونتشو إلى تسريع الإصلاحات الموجهة نحو السوق، فكانت رائدة في تأسيس أول شركة تعاونية مساهمة، ونفذت إصلاحات أسعار الفائدة العائمة، وخاصة منذ عام 2012، روجت لـ”مشروع الإصلاح رقم واحد” لتحسين بيئة الأعمال، الأمر الذي أسفر عن نتائج مهمة.

وبفضل هذه المبادرات الإصلاحية، تواصل بيئة الأعمال في ونتشو التحسن، حيث احتلت المرتبة الثانية بين أفضل 10 مدن في الصين من حيث بيئة الأعمال لمدة عامين متتاليين، ما أدى إلى إطلاق العنان لحيوية كيانات السوق بشكل فعال. وبحلول نهاية عام 2023، كان لدى ونتشو 1.41 مليون شركة، ما يعني أن واحداً من كل سبعة من سكان ونتشو هو صاحب عمل في المتوسط. ومن إصدار أول رخصة عمل فردية في الصين إلى امتلاك أكثر من 1.4 مليون شركة الآن، يُظهر ذلك مدى ما حققته ونتشو في تطوير اقتصاد السوق وحيوية اقتصاد السوق في الصين.

ونتشو هي تجسيد للإصلاح والانفتاح المتعمق في الصين والتحسين المستمر لنظام اقتصاد السوق الاشتراكي والتحسين المطرد لبيئة الأعمال.

ومنذ عام 2012 على وجه الخصوص، تعمقت الإصلاحات الصينية على نحو شامل، وأولت أهمية كبيرة لتحسين بيئة الأعمال، ودفعت إصلاحات تفويض السلطة، وتبسيط الإدارة وتحسين الخدمات الحكومية، وخففت باستمرار من القيود المفروضة على الوصول إلى السوق، وسنت القانون المدني لجمهورية الصين الشعبية، ولوائح تحسين بيئة الأعمال، وقانون الاستثمار الأجنبي. كما خفضت باستمرار عدد البنود المدرجة على القائمة السلبية للوصول إلى الاستثمار الأجنبي، ووسعت كتالوج صناعة الاستثمار الأجنبي، والتزمت بإنشاء بيئة أعمال موجهة نحو السوق، وسيادة القانون

في تشرين الأول 2019، أصدر البنك الدولي تقريره “ممارسة الأعمال 2020″، الذي يقيم بيئة الأعمال في الدول والمناطق حول العالم. ومن بين 190 دولة ومنطقة تم تقييمها، احتلت الصين المرتبة 31 في عام 2020، مرتفعة من المرتبة 91 في عام 2012. وقد وضع هذا التحسن الملحوظ الصين كواحدة من أفضل الدول أداءً على مستوى العالم في تعزيز مناخ الأعمال، مع ازدهار أنواع مختلفة من الشركات مثل الشركات المملوكة للدولة والخاصة والممولة من الخارج بقوة متزايدة.

بحلول نهاية أيلول 2023، بلغ عدد الكيانات التجارية المسجلة على مستوى البلاد 181 مليوناً، بزيادة قدرها أكثر من 100 مليون عن 55 مليوناً مسجلة في نهاية عام 2012، ما يؤكد الاتجاه التصاعدي للازدهار المشترك لجميع أنواع الشركات.

في السنوات الأخيرة، عاش العالم تغيرات متسارعة لم يشهدها منذ قرن من الزمان، مع تصاعد المشاعر المناهضة للعولمة، فضلاً عن الصراعات والاضطرابات الإقليمية المتكررة. وفي خضم المشهد الجيوسياسي المتقلب، واصلت الصين تعميق الإصلاح والانفتاح، والابتكار المستمر في المجالات الرئيسية، واتخذت تدابير أكثر عمقاً وشمولاً بكثافة أكبر لتعزيز الانفتاح رفيع المستوى في جميع النواحي، وخلق بيئة آمنة ومستقرة للشركات والمساهمة في الاستقرار الاقتصادي العالمي.

إن اختيار الاستثمار الأجنبي هو شهادة قوية على التحسن المستمر الذي تشهده بيئة الأعمال في الصين. لقد كانت شركة Schott AG، وهي شركة ألمانية متخصصة في تصنيع الزجاج، موجودة في السوق الصينية لأكثر من 20 عاماً، حيث تعمل باستمرار على توسيع استثماراتها في الصين. صرح ألبرت تشين، المدير الإداري لشركة Schott China، “على مدار السنوات الخمس الماضية، كانت السوق الصينية هي السوق الأسرع نمواً لشركة Schott على مستوى العالم”. وأضاف أن تخفيف الصين المستمر لشروط وصول الاستثمار الأجنبي، وتفويض سلطة الموافقة، وتبسيط الإدارة، وخفض العبء الضريبي على الشركات، وفرت بيئة سوقية عالية الكفاءة وعادلة وسهلة وحرة للشركات الأجنبية.

وبحسب تقرير “مراقبة اتجاهات الاستثمار العالمي” الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد)، فإن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر العالمية في عام 2023 كانت أقل بنسبة 18%، باستثناء بعض القنوات. ومع ذلك، وعلى هذه الخلفية، ظل الاستخدام الفعلي للاستثمار الأجنبي في الصين في عام 2023 عند أعلى مستوى تاريخي. وفي الربع الأول من عام 2024، بلغ عدد الشركات الأجنبية التي تم إنشاؤها حديثاً في الصين 12000 شركة، بزيادة سنوية قدرها 20.7%؛ وبلغ الاستخدام الفعلي للاستثمار الأجنبي في صناعة التصنيع في الصين 81.06 مليار يوان (11.15 مليار دولار).

إن الإصلاح والانفتاح في الصين مستمران على الدوام ولا يمكن إكمالهما أبداً. ومن الممكن دائماً تحسين بيئة الأعمال، ولكن لا يمكن الوصول إلى الكمال. وكانت رحلة الصين من الاقتصاد المخطط إلى اقتصاد السوق من خلال الإصلاحات الموجهة نحو السوق ذات أهمية هائلة ليس فقط بالنسبة للصين نفسها، بل إنها تقدم أيضاً دروساً قيمة للدول الأخرى.

أولاً، أثبتت ممارسات الإصلاح في الصين أن آليات السوق تشكل أداة فعّالة لتخصيص الموارد. إن إنشاء آليات السوق يتم تدريجياً، وليس بين عشية وضحاها. والإصلاح الموجه نحو السوق، باعتباره تغييراً مؤسسياً أساسياً، يواجه تحديات مختلفة ناجمة عن تضارب المصالح والاختلافات في التاريخ الإقليمي والتقاليد الثقافية والعقليات.

ثانياً، لا يوجد نموذج موحد للاقتصاد السوقي. ويتعين على البلدان التي تمر بمرحلة انتقالية أن تعمل تدريجياً على دمج آليات السوق مع الظروف الفريدة التي تتميز بها بلدانها من أجل إقامة اقتصاد سوقي فعال.

وأخيراً، في تنفيذ الإصلاحات الموجهة نحو السوق، حرصت الصين دائماً على تنفيذ إصلاحات تجريبية في مناطق مختارة قبل تعميمها على مستوى البلاد. وهذا النهج يتحكم في المخاطر، ويتجنب التقلبات الكبيرة في الاقتصاد الإجمالي، وينشر الممارسات الجيدة بسرعة من خلال آليات فعّالة.

 

المصدر  _  سي جي تي إن

آخر الأخبار
بمشاركة سورية.. انطلاق فعاليات المؤتمر الوزاري الرابع حول المرأة والأمن والسلم في جامعة الدول العربي... موضوع “تدقيق العقود والتصديق عليها” بين أخذ ورد في مجلس الوزراء.. الدكتور الجلالي: معالجة جذر إشكالي... بري: أحبطنا مفاعيل العدوان الإسرائيلي ونطوي لحظة تاريخية هي الأخطر على لبنان عناوين الصحف العالمية 27/11/2024 قانون يُجيز تعيين الخريجين الجامعيين الأوائل في وزارة التربية (مدرسين أو معلمي صف) دون مسابقة تفقد معبر العريضة بعد تعرضه لعدوان إسرائيلي الرئيس الأسد يصدر قانوناً بإحداث جامعة “اللاهوت المسيحي والدراسات الدينية والفلسفية” الرئيس الأسد يصدر قانون إحداث وزارة “التربية والتعليم” تحل بدلاً من الوزارة المحدثة عام 1944 هل ثمة وجه لاستنجاد نتنياهو بـ "دريفوس"؟ القوات الروسية تدمر معقلاً أوكرانياً في دونيتسك وتسقط 39 مسيرة الاستخبارات الروسية: الأنغلوسكسونيون يدفعون كييف للإرهاب النووي ناريشكين: قاعدة التنف تحولت إلى مصنع لإنتاج المسلحين الخاضعين للغرب الصين رداً على تهديدات ترامب: لا يوجد رابح في الحروب التجارية "ذا انترسبت": يجب محاكمة الولايات المتحدة على جرائمها أفضل عرض سريري بمؤتمر الجمعية الأمريكية للقدم السكرية في لوس أنجلوس لمستشفى دمشق الوزير المنجد: قانون التجارة الداخلية نقطة الانطلاق لتعديل بقية القوانين 7455 طناً الأقطان المستلمة  في محلجي العاصي ومحردة هطولات مطرية متفرقة في أغلب المحافظات إعادة فتح موانئ القطاع الجنوبي موقع "أنتي وور": الهروب إلى الأمام.. حالة "إسرائيل" اليوم