ديب علي حسن:
لا تعرف الرجال ومواقفهم الفعلية إلا عندما تكون في غربة بعيداً عن وطنك مهما كانت الفترة قصيرة, هناك تكتشف المعدن الحقيقي, عام 2006م لم أكن أعرف الدكتور سمير حسن إلا بالاسم فقط أستاذ علم الاجتماع والمفكر السوري الذي لم يسع للأضواء أبداً, في الدوحة حيث كان مهرجانها الثقافي عام 2006 وضيوف من أنحاء العالم، تعرفت إلى المفكر سمير حسن الذي غمرنا جميعاً بالمحبة والتواصل, بعدها لم أره, لكني شغفت بكتابه المهم جداً الثقافة والمجتمع الذي صدر فيما بعد عن دار الفكر بدمشق ووجد صدى طيباً ومراجعات مهمة من قبل الباحثين, ويكفيه التقديم المتميز من الفيلسوف خضر زكريا.
أمس فاجأني خبر رحيله فمن عادتي اليومية أن أتابع ما ينشره أستاذنا ومحامينا الغالي الشاعر المبدع علم عبد اللطيف على صفحته, فإذا بي أقرأ التالي.. يكتب الأستاذ علم:
(بكيتك يا أبا جبران. وسأبكيك دوماً ما عشت.
أبكي شبابك وكفاءاتك.. وقيمك.
أبكي ماضٍ عشناه معاً متلازمين.
خسارة أنت دكتور سمير حسن.
رحلت باكراً وسريعاً.
أعزي فيك نفسي..
أعزي أم جبران.. وجبران ووهب وسوسن.. وبدر.. وزهير.. ومريم.
أعزي كل العائلة.. وأصدقاءنا المشتركين.. وكل من عرفك.
سأبقى معك يا صديقي ورفيقي.
وأردد مع من قال.
ولم أُغفل ملامَ القبر لما
حوى بعض اللدات وما حواني
وعاتبت الردى حين استجابوا
لداعية الرحيل وما دعاني..
وداعاً دكتور سمير
وفي بيان الرحيل الذي لم نجده إلا على صفحات أصدقائه يكتب الدكتور معاذ حسن قائلاً:
وفاء لذكرى الصديق الأستاذ الدكتور سمير حسن الذي رحل صبيحة يوم 13 / 7 / 2024.
(تعرفت عليه أواخر ستينيات القرن العشرين عندما كان طالباً في المرحلة الثانوية يستأجر غرفة، مع طلاب آخرين من قريتنا المشتركة الملاجة، في حي الرمل بطرطوس حيث كنت أسكن.
أول ما لفتني فيه نباهته كشاب فتي واهتماماته بمتابعة الأفكار الجادة والجديدة باكراً آنذاك، وإحساسه المرهف بالحياة والفن والموسيقا وصوته الجميل العذب في الغناء.
كانت تغمره، كأغلب أبناء جيلنا يومذاك، أفكار التجديد والثورة على القديم وتغيير العالم.
مشينا سوية كثيراً في شوارع مدينة طرطوس الجميلة والهادئة يومذاك.
كذلك مشينا سوية في القرية على طرقاتها في أعالي الجبال وفي وديانها وقرب ينابيعها.
وكنا نتحدث عن كل شيء، عن الحياة والحب والسلام وعن أحلامنا بعالم سعيد أفضل.
وعندما نتعب من الكلام ونشتاق للموسيقا ولم يكن معنا راديو أو آلة تسجيل كان يتخذ كل منا وضعية عازف محترف يعزف على آلته الموسيقية المفضلة، فأتخذ أنا وضعية عازف الكمان وهو وضعية عازف البيانو ونبدأ بالعزف المفترض مندهشين بإعجاب حتى تنتهي المقطوعة التي اخترناها.
التحق بدراسته الجامعية وتزوج، كذلك فعلت أنا فتباعدنا وانقطعت أخبارنا نسبياً عن بعضنا.
حصل أوائل التسعينيات على ما أذكر على درجة الماجستير في علم الاجتماع ببحث رائد عن بيئته المحلية في طرطوس بعنوان “الاندماج الاجتماعي للمهاجرين الريفيين في الحياة الحضرية لمدينة طرطوس”. فأرسل لي نسخة منها وعندما قرأتها آثرت أن أخصص سهرة حوار معه حولها في “الصالون الثقافي” الذي كنت أديره في منزلي بطرطوس يومذاك فكان ذلك فعلاً بحضوره، وقد تركت تلك السهرة في نفسه أثراً إيجابياً كبيراً كما حدثني بعد ذلك.
حصل بعد ذلك على درجة الدكتوراه في علم الاجتماع من جامعة دمشق فاختطفه العمل الأكاديمي عندما صار أستاذاً لعلم الاجتماع في جامعة دمشق، ثم مع بداية القرن الحالي عميداً لكلية الآداب فيها، ثم بعد ذلك سافر للعمل مدرساً في جامعات سلطنة عمان في الخليج.
بعد عودته منذ عامين ليستقر بشكل نهائي في القرية استيقظت في ذهنه من جديد أفكار الشباب الأول الطموحة، فحدثني في لقائي الأول معه عن مشروع تنويري يفكر به في منطقته بأن يؤسس في منزله ومكتبته ما يشبه مركز أبحاث يضم مثقفين محليين من مختلف الطيف الفكري والثقافي والفني في طرطوس وسورية، كما يهتم بطلاب العلم الشباب في المنطقة وطرطوس وجذبهم للبحث العلمي، وسألني رأيي وإمكانية التعاون معه، ومن الطبيعي أني وافقته وشجعته كثيراً.
خطفه المرض من جديد منذ فترة قصيرة، واغتاله الموت فجأة، كما عبر الصديق المشترك الأستاذ محمد كامل الخطيب، صبيحة 13 / 7 / 2024.
كان دائماً هادئاً عذباً في تعامله مع الآخرين)
السؤال المر الذي يلح دائماً وابداً: لماذا لا نتابع هذه القامات الفكرية العالية, الدكتور سمير حسن عالم اجتماع مهم جداً, ولكنه يرحل بصمت في مدينة طرطوس, ولولا ما كتبه أصدقاؤه لما عرفنا بالخبر, إننا مقصرون جميعاً ولا عذر لنا.