الملحق الثقافي- علي حبيب:
قبل أكثر من ألف عام قال المتنبي:
ذو العَقلِ يَشقى في النَعيمِ بِعَقلِهِ
وَأَخو الجَهالَةِ في الشَقاوَةِ يَنعَمُ
وَالناسُ قَد نَبَذوا الحِفاظَ فَمُطلَقٌ
يَنسى الَّذي يولى وَعافٍ يَندَمُ
واليوم تعود الدراسات النفسية للحديث عن قوة الجهل كغرور وضعف في المحصلة هذا ما يرصده كتاب «قوة الجهل»
«قوة الجهل: كيف تظهر الحلول الإبداعية عندما نعترف بما لا نعرفه» اذ يستكشف ديف تروت أهمية الاعتراف بجهلنا. يجادل تروت، وهو مخرج إبداعي مشهور وأسطورة في مجال الإعلانات، بأن الاعتراف بما لا نعرفه يمكن أن يكون محفزًا قويًا للابتكار وحل المشكلات. الكتاب مملوء بالقصص والأمثلة من مجالات متنوعة، تُظهر كيف يمكن للابتعاد عن الحكمة التقليدية واحتضان المجهول أن يؤدي إلى حلول غير متوقعة وثورية.
يبدأ تروت بتحدي القارئ لإعادة النظر في علاقته بالمعرفة والجهل. فهو يرى أن المجتمع غالبًا ما يضغط علينا لنبدو دائمًا على علم وكفاءة، لكن هذا التظاهر يمكن أن يقمع الإبداع والنمو. بدلاً من ذلك، يدعو تروت إلى عقلية ترى في الجهل فرصة للاكتشاف. من خلال طرح الأسئلة والاعتراف بالثغرات في فهمنا، نفتح أنفسنا أمام وجهات نظر وأفكار جديدة قد نتجاهلها بخلاف ذلك.
يشارك تروت قصصًا لأفراد ومنظمات استفادوا من قوة الجهل لتحقيق نتائج مذهلة. من رواد صناعة التكنولوجيا إلى الفنانين الثوريين، توضح هذه الأمثلة كيف أن الرغبة في الاعتراف بما لا نعرفه يمكن أن تلهم الابتكار وتدفع عجلة التقدم. أسلوب تروت في السرد شائق وغالبًا ما يكون طريفًا، ما يجعل المفاهيم المعقدة أكثر قابلية للفهم والارتباط.
من أهم الأفكار المستخلصة من الكتاب هي أهمية الفضول والتواضع في العملية الإبداعية. يؤكد تروت أن الإبداع يزدهر في البيئات التي تشجع على طرح الأسئلة، وتعد الفشل جزءًا قيمًا من التعلم. يشجع القراء على تبني عقلية البحث المستمر والسعي للحصول على وجهات نظر متنوعة، حيث يمكن لهذه الأمور أن تؤدي غالبًا إلى أكثر الحلول ابتكارًا.
كما يستعرض تروت دور القيادة في تعزيز ثقافة تقدر الجهل. يرى أن القادة الفاعلين هم أولئك الذين يخلقون بيئات يشعر فيها أعضاء الفريق بالأمان للتعبير عن شكوكهم واستكشاف أفكار جديدة من خلال تبني هذا السلوك بأنفسهم، يمكن للقادة خلق بيئة مفتوحة وتعاونية يمكن أن يزدهر فيها الإبداع.
«قوة الجهل» ليس مجرد كتاب لأولئك الذين يعملون في الصناعات الإبداعية؛ فدروسه قابلة للتطبيق على أي شخص يسعى للابتكار وحل المشكلات في حياته الشخصية أو المهنية. من خلال احتضان ما لا نعرفه، يمكننا إطلاق العنان لكامل إمكاناتنا الإبداعية وتحقيق أكثر مما كنا نظن ممكنًا.
هذا الكتاب قراءة ممتعة لأي شخص شعر يومًا بالضغط ليكون لديه جميع الإجابات أو عانى من العثور على حلول إبداعية. حكمة تروت وروحه المرحة تجعل من «قوة الجهل» رحلة ملهمة ومحفزة للتفكير ستجعل القراء يعيدون التفكير في قيمة ما لا يعرفونه.
العدد 1197 – 16 -7-2024