الملحق الثقافي- حسين صقر:
اكتب حصاد يومك تعش سعيداً، قد تكون نصيحة صعبة التطبيق، ولكن سرعان ما تكسبها العادة، فيصبح الشخص أسيراً لها، وكيفما رأيته، يصبح أسيراً لقرطاسه وقلمه الذي يشتاق إليه في نهاية اليوم، شوق الشجر الظمآن للمطر، أو حنان أم لولد غائب.
فكتابة اليوميات بمثابة علاج يومي مجاني لعدد من المشكلات الصحية، البدنية منها والنفسية، إذ يتحول الطقس اليومي، في تدوين أهم أحداث اليوم، من إنجازات وإخفاقات، وكذلك المشاعر الذاتية، والانطباعات حول الأحداث والأشخاص، إلى وسيلة تعاف قوية، تؤثر بشكل ملحوظ على استجابة الجسم للضغط النفسي، ومن ثم تحسين المزاج والنوم، وقد تؤثر في المناعة.
فالكاتب الناجح قبل وجود الهاتف النقال، يحمل دفتراً صغيراً أشبه بالمفكرة، ومعلوم أن قلمه دائماً في جيبه، وأول ما تخطر بباله فكرة ما، يخرج قلمه ودفتره ويسجل رؤوس أقلام كي لاتطير تلك الفكرة في زحمة الأفكار والهموم الكثيرة، ومنها إلى تدوين اليوميات وكتابتها بهدف استرجاعها مع كتابة التاريخ واليوم، ثم الساعة والدقيقة في متن اليوميات، وهي ليست مذكرات، حيث تختلف الأخيرة عن سابقتها.
كتابة هذه المادة أعادني إلى أيام الدراسة الجامعية، عندما كنت طالباً وثلة من زملائي في مبنى المدينة الجامعية، حيث كنت أخلد يومياً لمدة نصف ساعة على الأقل، لأستعيد ما يحدث معي طوال اليوم، واستمرت هذه العادة سنوات كثيرة رافقتني إلى مابعد التخرج وسنوات الخدمة الإلزامية، واليوم عندما أقرأها، لا أبالغ إذا قلت بأن الأشخاص وصور المكان لاتمر في مخيلتي وحسب، بل أذكر تفاصيل صغيرة منها المفرح ومنها المؤلم ومنها ما يذكرني بالفشل والنجاح والعطاء والأخذ والعمل والبطالة والحاجة والاكتفاء، والصحة والمرض، والكبوة والنهوض والفراق واللقاء، وكلّ ما يخطر ببالنا أو يمرمعنا نحن البشر.
ولهذا فالتدوين غالباً ما كان يساعدني على تفكيك مشاعري وتحليلها، كما يجعلني أقرب لنفسي، وأكثر إنصاتاً لصوتي الداخلي، فيصير الطفل الصغير بداخلي أكثر هدوءاً وسكينة، والرجل أكثر صبراً وتحملاً للمسؤولية، ويصفو ذهني فتكون أفكاري أوضح وقراراتي أدق وأسرع، وهذا هو أهم ما يتعلق بالتدوين، أنه يذكرنا بالأحداث التي مرّت على حياتنا، سواء العملية أو العاطفية، ومنها نستطيع اتخاذ قرارات أدق بشأن المستقبل، ولاسيما إذا أخفقنا ذات يوم باتخاذ قرارأو ساقتنا الصدف للقاء أناس تركوا بصمات سوداء في حياتنا.
بالطبع هناك العديد من تقنيات وأساليب كتابة اليوميات، مثل الخرائط الذهنية، والكتابة في صورة حوار، والكتابة الشعرية، والرسوم، وغيرها العديد من الأشكال، لكن هذا في مراحل متقدّمة، بينما يمكن لأي شخص البدء في كتابة يومياته بأي عمر، وأن يكتب أي شيء باليوميات، الأفكار والمشاعر، والمشكلات، والتحديات، والاضطرابات، والأفراح، والنجاحات، حيث ينصح علماء النفس لتنشيط الذاكرة حتى تدوين الأحلام أول اليقظة، وإذا اعتاد الإنسان ذلك فتصبح جملته العصبية وذاكرته أكثرمرونة ونتاجاً، واليوم يساعد الهاتف النقال على تلك العملية بسهولة ويسرإلا إذا كانت هناك بعض المشكلات التقنية في ذات الوقت.
كتابة اليوميات يمكن أن تكون المرحلة الأولى لكتابة المذكرات، خاصة إذا كانت ملأى بالأحداث واللقاءات والمواقف.
العدد 1198 – 23 -7-2024