الملحق الثقافي- رفاه الدروبي:
الإبداع لغوياً يُعرَّف بالإتيان بالشيء فيه جودة وإتقان، وسيكون ذلك الشيء ابتكاراً وليس له مثيل، ويُعرَّف اصطلاحاً بأنَّه عملية تقوم على تحويل الأفكار الجديدة والخيالية لحقيقة واقعية، ونتيجة لذلك يتمُّ إحضار شيء جديد غير موجود مسبقاً للوجود لكن كيف يتمُّ، ومن يديره، هل تتم متابعته. من يقف وراء الكواليس.
رعاية المبدعين
الكاتب والباحث دحام عبدالله القطيط طرح في بداية حديثه تساؤلات عديدة حول مَنْ يدير غرف صناعة النجوم، ومن يدعم تلك البرامج، وكل ما يخصُّ المحور الثقافي في العالم العربي، مَنْ يقف خلفه، هناك من يقف خلف الكواليس من القصيدة إلى التلحين، إلى الفيلم والدراما، والسيناريوهات حتى برامج الأطفال من يصنع هؤلاء، ويقدِّم النجوم. مَن المستفيد من تفريغ المجتمعات من تلقائية تتمحور حول مجالات عديدة، وتصنع قوانينها من تلقاء نفسها، فالتلقائية تصنع فنونها المأخوذة من فطرة المجتمعات المبدعة، لذلك نرى الحروب بكلِّ أنواعها أول استهدافاتها للمجتمعات لتفريغها من مضمونها وتاريخها، وتقدم نموذجات من الأفلام، والآداب، ونموذجات من المسلسلات، بينما لايوجد هناك مختصون ضمن أي برنامج، فكلّ النخب الإبداعية مغيّبة بشكل ممنهج، إما بقصد عن طريق التسلل إلى هؤلاء القائمين على مصدر القرار في الإعلام الرسمي، وإما بضعف مهني لا يقدر الإعلامي على تمييز النخبة من المبدعين، فاليوم نعيش بزمن انفكاك السلطة عن المجتمع، ونتائج انفكاكها عنه، ورأى الباحث قطيط أنَّ الانفتاح الإلكتروني وانتشار السوشال ميديا أصبح الجميع يملك منبراً، وأغلبها مخترقة تروِّج لكثير من التفاهات، وتريدها أن تصبح ثقافة، ومنذ زمن أدباء المهجر غيّب الإعلام الرسمي لكثير من الدول نخباً من الأدباء، والشعراء أمثال ميخائيل نعيمه جبران خليل جبران، لأنَّه كان لديهم طريقة إبداعية بنشر الثقافة الفطرية، وبزمن أغفل الأدب العربي كثيراً من النخب للخوف من أن يصبحوا قدوة، بتناول نصوص من أدبهم، وجعلها موروثاً أدبياً مأخوذاً من فطرة المجتمعات، حول المحور الثقافي والمتغيرات الثقافية في الشرق الأوسط، وفي كل دول العالم إذ تصرف أكبر ميزانية على التربيه والتعليم، والثقافة، والفن لتحصين المجتمعات بشكل جيد. أما عن الظهور الإعلامي في القنوات الرسمية وطريقة اختيار الشخصيات، فتكون عبارة عن مجموعة مصالح مادية، اجتماعية، مجاملات، مطاعم، نساء، سهر و.. و.. و.. إلخ، منوهاً إلى أنَّ هناك ارتباطاً «على المستوى الدولي أيضاً، فأغلب وزارات الثقافة في العالم مرتبطة بشخصية ميردوخ الصهيونية في أستراليا عراب صناعة الثقافة، طارحاً مثالاً حول معاقبة وزيري ثقافة فرنسا وبريطانيا لارتباطهما به، وسأل: أين تطبع مناهج التربية والتعليم، وكلِّ مايخص المحور الثقافي والفني؟ فيقول: إنَّنا غارقون من كل النواحي، ومحاربون في كل المجالات ممنوع أن تشكل رأياً عاماً، أو أن تكون نجماً، وشاعراً، أديباً، وحتى شخصية عامة، ولديك جمهور إلا بإذن وقرار وتصريح، لذلك اعتكفت أغلب النخب في بيوتها، ولأنَّ الأدب لايطعم خبزاً لذلك فرَّطنا بكلِّ شيء لأجله، ورحنا نلهث خلف أبسط مقومات الحياة.
قال ابن سينا:
«لو كُلِّفتُ ببصلة لما حليت مسألة»، فالإبداع يحتاج إلى رعايةٍ، تبنٍّ، إعلام، وكل شيء.
العمل بمحبة وصدق
الفنان التشكيلي خلدون أحمد من حلب رأى أنَّ علينا العمل بمحبة وصدق لنصل إلى مفهوم الروعة والجمال في الإبداع، وأن يعمل الفنان بروحه ليعطي ثماراً تليق باسمه وعطائه عبر ريشته في مساحة اللون والتشكيل، وأن نرى ونُوثِّق أيَّ معرض يُنظَّم بكتالوك، أو بكتيِّب صغير يحتوي أعمال معرضه كونه رصيداً رائعاً ليبقى متداولاً لكلِّ الأجيال باعتباره مناخاً رائعاً وجميلاً ولا ينطبق على الفن التشكيلي مفهوم المجاملة بين العمل والفنان، والمتلقي، ويجَّب على الجميع الإخلاص لعملهم التشكيلي حتى يبصر نتاجهم النور؛ بعيداً عن المجاملة غير النافعة للفنان وغير المفيدة بشيء، لأنَّنا نعمل بلغة اللون البصري. نثني على العمل الرائع والجميل ونشكر يد فنان صاغته؛ ولانجامل بل يجب أن نسلط الضوء على من يعمل بقلبه لفنه، وعمله، فالمجاملة في العمل التشكيلي تضرُّ أي شخص سواء أكان فناناً أم هاوياً أم مبتدئاً، لكن علينا أن نقف أمام عمل أنتجه الفنان، ونشجع المواهب من الشباب، ونقدّم لهم كل ما يحتاجونه. هنا تكون المحبّة عنواناً للاستمرار في تقدِّم المواهب الفنية لتبقى على اطلاع دائم بصياغة اللوحة، ولابدَّ من متابعة هؤلاء الشباب، ونكون معهم دائماً كي يعطوا ثمار أعمالهم، ونتاجهم علينا أن نشجعهم، ولانتردد بفعل ذلك، فالفن لغة الحياة والجمال، ولا بدَّ من نشرها دائماً كونها ثقافة التشكيل واللون والجمال.
جوهر من الداخل
ورأى الفنان التشكيلي خالد حجار من السويداء أنَّ الإبداع الحقيقي يجذب الضوء ليأتي إليه، أو هكذا يجب أن يكون، ولكن عند المهتمين والمختصين من إعلاميين ووسائط الإعلام المحترمة من تبحث عن تطوير الإبداع في المجتمعات تكون المبادرة من قبلهم في تسليط الضوء على أي تجربة جديدة ومميزة حتى لو لم تصل إلى مرحلة الإبداع بعد، واعتبرها خطوة سوف يكون لها أثر كبير في تطوير التجارب، وتشجيع ودعم أصحابها، أمَّا موضوع المحسوبيات فلن يكون له دور فَّعال في صناعة مبدع مهما كانت المحاولات لأنَّ الإبداع جوهر من الداخل وليس ثوباً نضعه على من نريد.
الإبداع هبة
بدورها الشاعرة ريما خضر أفادت بأنَّ الإبداع كلمة لكن تتسع بشموليتها حتى تكاد تكون معجماً نبحث فيه ضمن باب الموهبة وظلِّ صاحبها، وفي باب الأدب عن أخلاق كاتبها وفي أبواب كثيرة عن مدارك وثقافة من يدَّعي الإبداع، باعتباره هبة ككلِّ الهبات، لذا يجب على مالكها أن يصونها من الضياع، فالغرور يميت المبدع، وكذلك التهميش فهما وجهان لعملة واحدة.
كما تابعت قائلة: الإبداع بحاجة إلى عناية كونه بذرة تنتظر الظروف الصالحة للزراعة كي تنبت في بيئة صحية وصحيحة، ومن هنا يأتي دور أدباء الصف الأول في تقييم إبداعات الصفوف الأخرى لطالما الموهبة موجودة، وأدوات الفن اللازمة لنحت مجسم الإبداع أيضاً موجود، فربَّما جملة تغيّر منحى انطلاق رحلته ووجهته، وهناك مثل شعبي متداول «الله يرحم الذي أبكاك وليس الذي أضحكك»، فالصفعة حين تأخذها من نقد نص أدبي، أو أي جنس أدبي ممن لديهم القدرة، والأجدر في مجالهم تعلمك كيف تصبح قوياً في صياغتك، وصورك وتحديد هوية انتمائك الأدبي «قصة، شعر، رواية، خاطرة»، وستتطور خطواتك على دروب الإبداع لتصبح متقناً لأكثر من جنس أدبي أو إبداعي، فأحياناً نجد الفنان في مرسمه شاعراً وروائياً، ومنهم نزيه أبو عفش مثال حي للإبداع تسليط الضوء عليه لايعني أبداً مدح عمل أدبي معين بالمطلق، أو ذمّه بالمطلق، ويعتبر إجحافاً كاملاً بحق المبدع، واعتدنا في الدراسات النقدية المشتغلين عليها أحياناً، أوتلك من نحضر جلساتها تماماً كما يحدث في رسالة البحث العلمي، فاللجنة تشرّح بجسد الطالب، وتعطي ملاحظاتها الكلية سلباً، وإيجاباً ليحصل في النهاية على درجته المستحقة، وهنا في حقول الإبداع نحن لانحتاج إلى الكمّ بل إلى النوع لامجاملات تفيد كالتغزل في جسد قصيدة مثلاً فالجميل، والمدهش، والمختلف يبقى راسخاً في إحساس القراء، والجمهور، مذكرة خلال حديثها بالشاعرة الكويتية سعاد الصباح كيف حثَّ فيها الشاعر الكبير نزار قباني الإصرار على إثبات وجودها في الساحة الأدبية رغم انكسارها أول ظهورها على المنبر بحضور شعراء كبار، ومنهم القباني حيث كان يجلس في الصف الأول عندما ارتبكت، وطلب نزار من منظمي المهرجان «مهرجان الشعر العربي في مصر» إنزالها عن المنبر فعادت بعدها بسنوات بقصيدة «لا تنتقد خجلي الشديد»، وتعتبر من أروع ماغنته نجاة الصغيرة.
العدد 1198 – 23 -7-2024