الملحق الثقافي-غادة اليوسف:
منذ بدء الخليقة ينتمي البشر إلى هويات معطاة بحكم المولد والمنشأ..دينياً، قومياً،عرقياً، قبلياً، عشائرياً وعائلياً إلخ.
وبالرغم من انسفاح دهور التاريخ على البشرية،وتَفَتّح وعيها وبلوغها في مدارج العلوم والاختراعات والاكتشافات والتطور مبلغاً عظيماً، وبالرغم من أنها مرّتْ عبر تاريخها الطويل بحروبٍ تمظهرت بهذه الانتماءات، وخبرت مآسيها وويلاتها، وبالرغم من أنّ كلّ الشعوب تدرك غباء هذه الحروب ونتائجها الكارثية المدمّرة، وعبثيتها، وتشجبها، في وقت الاسترخاء والسلام، إلا أنها ما تزال تقتتل لتزيح الآخر، عندما تنقدح أوّلُ شرارة لحرب كهذه!!فيندحر الوعيُ والعقلُ، والحكمة، وكلُّ خبرة مآسي الماضي والحاضر القريب دفعة واحدة، ليحلّ محلَّها صوتُ الموت والموت المضاد..ويغيب العقل لصالح الدم المهدور..وذلك لا يكون إلا بتوجيه الزعماء المنتفعين، المتفقين ضمناً والمتخاصمين ظاهراً..ولذا ..فإنني أؤمن لدرجة اليقين أنّ زعماء الطوائف والمذاهب والهويات المتناحرة توحّدهم هويةٌ واحدة، تكبر وتقوى وتهيمن بتناسب طردي مع مدى قدرتها على تفتيت بني البشر إلى هويات مفتعلة متناحرة..بكثير من السّخط والشفقة، أرنو إلى هذه الشعوب من المستضعفين وهم وقود هذه الحروب والمذابح، بعروقهم النافرة ، وبطونهم الضامرة، وأضلاعهم السافرة سلالم لصعود الزعماء..وأتساءل: ألمْ يئن لهم أن يفهموا وبعفوية الخبرة المتحصّلة من التجربة المتراكمة أن لا مصلحة لهم في التناحر والتذابح من أجل رمز أو انتماء لغير إنسانيتهم، والوطن انتماء إنساني ؟؟ليتهم يتعلّمون من هؤلاء الزعماء شيئاً واحداً، وهو أنه وكما أنّ للظالم أيّاً كان هويّة واحدة تجمعه مع ظلاّم الكون، فكذلك للمظلوم هويّة واحدة تجمعه أيّاً كان منشؤه ولونه ودينه وطائفته مع غيره من المظلومين؟؟
إنها الصرخة إيّاها تنبعث مجدداً..إلى شعوب الأرض جميعاً بما فيها الشعوب المترفة والمرتشية من فضل القيمة الزائد والمتدفق من شرايين بلدان القهر النازفة للثروات ، فهي شعوب متخمة مشتتة الوعي، معمّاة، ومكذوبٌ عليها..وبالتالي فهي ليست أقلّ ضياعاً من شعوب البلدان المفقَرَة، التي تحرّض المعاناة عند البعض فيها نوعاً من وعي سياسي ..كلّ الشعوب تجمعها هويةٌ واحدة في وجه هوية الظالم..أياً كان هذا الظالم..
العدد 1198 – 23 -7-2024