الملحق الثقافي-غسان شمة:
فوق سكة روائية وعرة، ينسج أرفين د.يالوم خيوط روايته الفكرية والفلسفية «عندما بكى نيتشه»، ترجمة خالد الجبيلي، في محاولة للجمع بين فنية البناء الروائي ومتعته الأدبية وبين جدل الرؤية الفلسفية وإشكالية المرور في حقلها الغني والمكثف بالدلالات والأفكار التي تتباين في صعوبة الاقتراب من عمقها لكنها تخلف لذة خاصة في مضامينها وإثارتها للحوار العقلي في أبعاده المتعددة..
الكاتب يبني عالمه الروائي من خلال طلب الفاتنة لوسالومي إلى الدكتور الشهير بريوير الإشراف على الحالة الصحية والنفسية للفيلسوف نيتشه وما يمر به من تقلبات تؤثر على جسده وروحه، وبعد جدل مثير يوافق د.بريوير، ويلتقي الفيلسوف في عدة جلسات حوارية تكشف جوانب متعددة من حياة كل منهما وفكره، حيث يتبادلان الأدوار في العديد من الجلسات، لتتكشف أما القارئ الكثير من الأفكار والآراء الطبية والنفسية التي بدأت تنتشر آنذاك، كما تنساب الكثير من رؤى الفيلسوف عبر هذه الحوارات الغنية لتكشف عن جوانب عميقة وغنية في رؤيته للحياة والإنسان في ظل مفاهيم القوة والضعف، والبحث عن الحقيقة: «واجب كل شخص أن يكتشف الحقيقة»، وهنا يبرز السؤال عن كيفية كشف الحقيقة «يمكن التوصل إلى الحقيقة من خلال عدم الإيمان والشك، لا بواسطة تمني الأشياء مثل الأطفال».. وهنا قد نصل إلى نقطة على غاية من الأهمية، في هذا السياق، وهي كيفية فهم قدسية الحقيقة في فكر وفلسفة نيتشه وما هو المقدس في هذا السبيل «ليست الحقيقة هي المقدسة، بل البحث عن الحقيقة الخاصة بالمرء، هل يمكن أن يكون هناك عمل مقدس أكثر من النفس؟»..
ومن الطبيعي أن تنهض أسئلة أخرى عن جوانب من العلاقة بين الإنسان والحقيقة «كيف يمكن أن يكتشف المرء من هو وماذا هو دون معرفة الحقيقة؟»… لنصل إلى إشكالية الاختيار وفق هذا السياق الفكر «الاختيار الصحيح، الاختيار الكامل لا يزهر إلا تحت شمس الحقيقة»..
رواية مثيرة في بنائها الفني ونسج معمارها وجدلية المتعة الأدبية في تعالقها مع الفكري والفلسفي.. رواية مثيرة ومحفزة لحوارات متنوعة وعميقة، استدعت هذه المقاربة البسيطة.
العدد 1198 – 23 -7-2024