أثبتْ من الأرضِ وأبّقى من السماء

الملحق الثقافي:                   

مقولة المفكّروالأديب ميخائيل نعيمة» الأدباء يَخلقون ولا يُصنعون» التي وردت في مقالته «مجد القلم « تشرح لنا فكرة أن من كان مُعَدّاً للأدب ليس بحاجة إلى من يدلّه على طريقه ففي داخله ومن خارجه حوافزلا تتركه يستريح حتى يتمّ التزاوج ما بين عقله وقلبه وذوقه وبين القلم والمِداد والقرطاس».
ومن هنا جمعت باقة من كتاباته المأثورة التي وقفت عندها ذات يوم فكانت لي النبراس المنير، كيف نظر إلى الأدب وتأثّر بالشعر ودخل في تفاصيل الوعي والإدراك والتنوير والتصوّف، فالغاية من الأدب من وجهة نظرنعيمة هي «درس الإنسان وحياته والغاية من وجوده». أما عن الشِّعر فكان بوابة رحلته الطويلة مع الأدب، وأول قصيدة له نظمها في روسيا بالّلغة الروسيّة وهي قصيدة « النهر المتجمّد « ثم ترجمها بنفسه إلى العربيّة. ويرى الشعر»منفّذ لما يجول في نفس الشّاعر من تأمّلات وأحاسيس يعبّر عنها تعبيراً يُفرِغ فيه هذه الأمور كلّها في قوالب تؤدّي إلى القارئ في صورة صادقة عمّا يجول في نفس الشّاعر. وهذه القوالب لابدّ لها أن تتّصف باللطافة في الإيقاع والحركة واللون ليكون لها الأثرالمرغوب في نفس القارئ أو السامع. وليس من الضروري أن يتّبَع الشّاعرفي شعره نَمطًا له حدوده كالأوزان والقوافي بل المهم أن يفعل كلامه في نفس القارئ فعل الموسيقا الموقّعة أحسن توقيع والحركة المنسجمة أحلى انسجام والصورة المؤتلفة الألوان والظلال». كما لا يمكن أن يكتب الشِّعر من لم يكن في داخله « صراع نفسي» .
إذاً لا عفوية في الأدب، والكتابة هي الدّقة العالية وهي «لذّة لا تفوقها لذّة» . فكما كتب « العفوية شيء لا وجود له في الكلمة المكتوبة والمفروض في المتكلّمِ أن يعرف أن لكلّ كلمة معنى وأن يختار الكلمات التي تؤدي المعاني. وهذا الاختيار هو عملية واعية».
فالأدب عند نعيمة « لا معنى له إلاّ على قدر ما يكشف معنى الحياة الذي هو أثبَت من الأرض وأبقى من السّماء».
خاطب نعيمة في حكاية عمره « سبعون « « أيّها الحبّ ! أنتَ البداية التي منها كلّ بداية، والنهاية التي إليها كلّ نهاية. بك تتماسَك الأقمار والشموس والمجرّات، وحولك تدور. منك تنبع الحياة، ومن الحياة الجمال ومن الجمال الحق. سلطانك هو السلطان، وقضاؤك هو القضاء، وعدلك هو العدل. أنت السّحِر وأنت الساّحر. أنت الخالق وأنت الخليقة. أنت الكلّ في الكلّ..فالمجد لك ! «
وفي كتاب «البيادر» وتحت عنوان :»العاصفة» نقرأ عن إيمانه بالله من خلال مخلوقاتِه: « وشربنا الماءَ قِراحاً من عيون الأرض الحنون»، « فصفّقَ لنا الحَور والصفصاف والزيزفون…ورَنا إلينا الخوخ بعيونِه السود والريح في ثورة وجنون، والبَرْد ينهش جِلد الجِلد، والرعد في غضبة الموتور والبَرَدُ كأنه وابلٌ من الرصاص «
«فالعاصفة ما انفكَّت تدورحول بيتي وتدور، نافخةً بأبواق الجنّ والعفاريت، صافرةً صفيرَ الهاويات السفلى، معولة عويل الثكالى، عاوية عواء الذئاب، زائرةً زئيرالأسود، صاخبةً ناقمة.
كان لنعيمة نظرة خاصة بالحرب فكتب «إن الذي يزهو بعقله يغدو في الحرب من دون عقل. فهو يشوَّه الصحيح ثمّ يعود فيحاول تصحيح ما شوّه. وهو يقتل الحيّ ليعود فيندب الحيّ. وهو يُدمّرِ ما بناه ليعود فيرمّمِ الذي دمرَّه»
ونعيمة من مناصِري غاندي ومن دُعاة ثورة اللاّعنف: «إذا أردت الحرب فاستعدّ للحرب وإذا أردت السّلِم فاستعد للسّلِم».
وفي مقولة نعيمة الفلسفية « من غَلبَ نفسه غَلبَ العالَم «. وكانت له نزعةٌ صوفيّةَ فينصَح بالتأمّل والروحانيّة وبساطة العيش والعودة إلى الطبيعة والابتعاد عن الأنانيّة. وما تنسّكه في «الشخروب» إلاّ للانفصال عن الناس من أجل الاتصال بهم والاقتراب منهم أكثر فأكثر. مؤمنٌ بالإنسان وبطيبَته وقدرته على تخطي الصّعاب: « إن السفينة تجري حتى لو عاكستها الرياح «.
و»مرداد» هو الكتاب الذي يتضمّنَ خلاصة الفِكر الفلسفيّ «النعيميّ «. و»مرداد» هو كتاب نادر في إصلاح الروح وتهذيب النفس الإنسانية، وتحريرها من التلوث الذي عَمّ وطَمّ وكاد يفسد حياة الإنسان، ويقطع آخرشعرة تربطه بجنسه البشري، بعد أن انتشرت الحروب واتسع نطاقها وتمادى نزيف الدم، أما اسم الكتاب، فيعود إلى صاحبه المتخيل «مرداد» الذي ألقى محتوياته كمواعظ قدسية على رفاقه من رهبان (الفُلك) وحراسه، وأوصى أن يُعطى إلى أول إنسان يتمكن من تحدي عقبات الصعود إلى حيث بقايا هيكل الفُلك، الذي أبحر عليه نوح عليه السلام في زمن الطوفان، «مرداد.. منارة.. وميناء»، وقد تكون هذه الإضافة جديرة أن تأخذ مكانها الدلالي لكونها تكشف عن الهدف الذي توخّى صاحبه أن يصل إلى القارئ ليستنير من ناحية، وليبدأ الإبحار نحو المعرفة بعد أن يكون قد تخطّى مثالب الزمان والمكان.
         

العدد 1198 – 23 -7-2024     

آخر الأخبار
بمشاركة سورية.. انطلاق فعاليات المؤتمر الوزاري الرابع حول المرأة والأمن والسلم في جامعة الدول العربي... موضوع “تدقيق العقود والتصديق عليها” بين أخذ ورد في مجلس الوزراء.. الدكتور الجلالي: معالجة جذر إشكالي... بري: أحبطنا مفاعيل العدوان الإسرائيلي ونطوي لحظة تاريخية هي الأخطر على لبنان عناوين الصحف العالمية 27/11/2024 قانون يُجيز تعيين الخريجين الجامعيين الأوائل في وزارة التربية (مدرسين أو معلمي صف) دون مسابقة تفقد معبر العريضة بعد تعرضه لعدوان إسرائيلي الرئيس الأسد يصدر قانوناً بإحداث جامعة “اللاهوت المسيحي والدراسات الدينية والفلسفية” الرئيس الأسد يصدر قانون إحداث وزارة “التربية والتعليم” تحل بدلاً من الوزارة المحدثة عام 1944 هل ثمة وجه لاستنجاد نتنياهو بـ "دريفوس"؟ القوات الروسية تدمر معقلاً أوكرانياً في دونيتسك وتسقط 39 مسيرة الاستخبارات الروسية: الأنغلوسكسونيون يدفعون كييف للإرهاب النووي ناريشكين: قاعدة التنف تحولت إلى مصنع لإنتاج المسلحين الخاضعين للغرب الصين رداً على تهديدات ترامب: لا يوجد رابح في الحروب التجارية "ذا انترسبت": يجب محاكمة الولايات المتحدة على جرائمها أفضل عرض سريري بمؤتمر الجمعية الأمريكية للقدم السكرية في لوس أنجلوس لمستشفى دمشق الوزير المنجد: قانون التجارة الداخلية نقطة الانطلاق لتعديل بقية القوانين 7455 طناً الأقطان المستلمة  في محلجي العاصي ومحردة هطولات مطرية متفرقة في أغلب المحافظات إعادة فتح موانئ القطاع الجنوبي موقع "أنتي وور": الهروب إلى الأمام.. حالة "إسرائيل" اليوم