فدوى طوقان أيقونة الإبداع المقاوم

الملحق الثقافي- مي سعود:
ما أزال أذكر أني يوم كنت طالبة في السنة الأولى للدراسة الجامعية، كنت أنتظر دورية عربية تأتي شهرياً إلى مدينة طرطوس حيث نقيم، هي مجلة الدوحة وكانت صورة الغلاف في الكثير من الأحيان للشاعرة الكبيرة فدوى طوقان وتحتها عنوان: رحلة جبلية صعبة، هي صفحات من مذكراتها وسيرة حياتها، وفيما بعد جمعتها في كتاب من جزأين، فدوى طوقان أيقونة إبداع مقاوم، تشدني إليها روح التوثب والقوة وقدرة المرأة على اجتياز الصعوبات كلّها، وتعرفون أنهم أخرجوها من المدرسة وهي طفلة، لكنها قاومت وتعلمت وكانت في الصف الأول من المبدعين والمبدعات العربيات، قبل تقديم بعض القبسات مما كتب عنها في الدراسات أتوقف عند نصص لها بعنوان: لن أبكي:
لن أبكي
فدوى طوقان- فلسطين
[إلى شعراء المقاومة في الأرض المحتلة منذ عشرين عاماً.. هدية لقاء في حيفا]
على أبواب يافا يا أحبائي
وفي فوضى حطام الدورْ
بين الردمِ والشوكِ
وقفتُ وقلتُ للعينين: يا عينين
قفا نبكِ
على أطلالِ من رحلوا وفاتوها
تنادي من بناها الدارْ
وتنعي من بناها الدارْ
وأنَّ القلبُ منسحقًا
وقال القلب: ما فعلتْ؟
بكِ الأيام يا دارُ ؟
وأين القاطنون هنا
وهل جاءتك بعد النأي، هل
جاءتك أخبارُ؟
هنا كانوا
هنا حلموا
هنا رسموا
مشاريع الغدِ الآتي
فأين الحلم والآتي وأين همو
وأين همو؟
ولم ينطق حطام الدارْ
ولم ينطق هناك سوى غيابهمو
وصمتِ الصَّمتِ، والهجرانْ
***
وكان هناك جمعُ البوم والأشباحْ
غريب الوجه واليد واللسان وكان
يحوّم في حواشيها
يمدُّ أصوله فيها
وكان الآمر الناهي
وكان.. وكانْ..
وغصَّ القلب بالأحزانْ
***
أحبائي
مسحتُ عن الجفون ضبابة الدمعِ-
الرماديهْ
لألقاكم وفي عينيَّ نور الحب والإيمانْ
بكم، بالأرض، بالإنسانْ
فوا خجلي لو أني جئت ألقاكم-
وجفني راعشٌ مبلولْ
وقلبي يائسٌ مخذولْ
وها أنا يا أحبائي هنا معكمْ
لأقبس منكمو جمرهْ
لآخذ يا مصابيح الدجى من-
زيتكم قطرهْ
لمصباحي:
وها أنا يا أحبائي
إلى يدكم أمد يدي
وعند رؤوسكم ألقي هنا رأسي
وأرفع جبهتي معكم إلى الشمسِ
وها أنتم كصخر جبالنا قوَّهْ
كزهر بلادنا الحلوهْ
فكيف الجرح يسحقني؟
وكيف اليأس يسحقني؟
وكيف أمامكم أبكي ؟
يميناً، بعد هذا اليوم لن أبكي!
***
أحبائي حصان الشعب جاوزَ –
كبوة الأمسِ
وهبَّ الشهمُ منتفضاً وراء النهرْ
أصيخوا، ها حصان الشعبِ –
يصهلُ واثق النّهمهْ
ويفلت من حصار النحس والعتمهْ
ويعدو نحو مرفئه على الشمسِ
وتلك مواكب الفرسان ملتمّهْ
تباركه وتفديه
ومن ذوب العقيق ومنْ
دمِ المرجان تسقيهِ
ومن أشلائها علفا
وفير الفيض تعطيهِ
وتهتف بالحصان الحرّ: عدواً يا –
حصان الشعبْ
فأنت الرمز والبيرقْ
ونحن وراءك الفيلقْ
ولن يرتدَّ فينا المدُّ والغليان-
والغضبُ
ولن ينداح في الميدان
فوق جباهنا التعبُ
ولن نرتاح، لن نرتاحَ
حتى نطرد الأشباحَ
والغربان والظلمهْ
***
أحبائي مصابيحَ الدجى، يا إخوتي
في الجرحْ…
ويا سرَّ الخميرة يا بذار القمحْ
يموت هنا ليعطينا
ويعطينا
ويعطينا
على طُرُقاتكم أمضي
وها أنا بين أعينكم
ألملمها وأمسحها دموع الأمس ْ
وأزرع مثلكم قدميَّ في وطني
وفي أرضي
وأزرع مثلكم عينيَّ
في درب السّنى والشمسْ
شهادات
من موقع بنفسج الإلكتروني نقدم بعضاً مما كتبته عنها نور ثابت
تقول نور: إذا أردت تخطي عتبة فدوى طوقان، فلا بد من قراءة رحلتيها «الجبلية الصعبة» و»الأصعب»؛ فاستنباط سيرتها الذاتية من عمق وطبيعة الحياة التي عاشتها «رحلة جبلية، حياة صعبة»، وصعوبتها، كائنة في طبيعة المجتمع الفلسطيني بعاداته وتقاليده -خصوصاً إذا كنا نتحدث عن عقود مضت-، حيث منعها والداها من إكمال تعليمها، فضلاً عن المعاملة الجافة التي حظيت بها من قبل عائلتها -باستثناء إبراهيم-، الذي لطالما استأنست به، إذ تلقت على يديه قواعد الشعر والنحو والبلاغة.
يقول سميح القاسم في تقديمه لكتاب طوقان-رحلة جبلية رحلة صعبة-: رحلة فدوى طوقان الجبلية، رحلتها الصعبة حقاً لم تكن مجرد حياة أخرى؛ إنها نقيض العادي وهي شاهد ثقة على الانشطار الهائل بين الحلم الجامح من جهة، والواقع المعقد من جهة أخرى»، وإن فدوى طوقان ليست مجرد أديبة فلسطينية، بل هي ظاهرة تبلورت فيها الحياة الثقافية والاجتماعية الفلسطينية، لقد سارت مسار الكشف والتخطي، ورسمت ثالوثاً قامت عليه حياتها: تنويراً وتثويراً وتغييراً!
يكمل سميح، «وهي تدرك تماماً أن العمل هو الوجه الآخر للحلم والإرادة، حيث نستطيع أن نبصر من سيرة طوقان ذات المرأة الفلسطينية المبدعة، الطموحة، القوية، الواثقة، المرأة الفلسطينية التي تستطيع أن تطوع كل الصعوبات لتجعلها مكمن قوة وطاقة لها، فلطالما كان الاحتلال سبباً يجعل المرأة تنافخ وبقوة عن نفسها وبيتها وعائلتها».
تعكس أعمال طوقان زوايا حياتها التي جعلتها تذوي إلى نفسها أحياناً، فتذكر أنها مرت بمرحلة من الكآبة الحزن والضياع، ونجدها تتمرد وتثور أحياناً أخرى، تذكر طوقان أنّ والدتها لم تكن ترغب بإنجابها فحاولت إجهاضها غير مرة، كما اسود وجه والدها وهو كظيم، عندما علم أنه مولودته فتاة وهو الذي كان المال والبنون له زينة الحياة الدنيا.
«كنت أتلهف للحصول على حب أبويّ، واهتمام خاص، وتحقيق رغبات لم يحققاها لي في يوم ما»، فلم يتذكرا تاريخ مولدها عندما بلغت أشدها، فما كان من والدتها إلا أن أسكتتها بلصق تاريخ ولادتها بعام يقترن بموسم «العكوب».
تقول طوقان «كانت أمي كجميع الناس في بلادنا، تؤرخ الوقائع بأحداث بارزة رافقت تلك الوقائع، كانت تقول- جرى ذلك عام الثلجة الكبيرة، أو عام الجراد، أو عام الزلزال. وهي عادة في التأريخ كانت متبعة لدى الجيل السابق ولا تزال معمولاً بها في بعض القرى الفلسطينية».
كان والدها ينتمي للتيار القومي المناوئ للانتداب، وقد تعرض للاعتقال أكثر من مرة، كما شهدت طوقان وعائلتها عمليات القمع والمطاردة والاضطهاد التي مارستها حكومة الانتداب البريطاني في فلسطين، منها إبعاد والدها إلى مصر خلال فترة الانتداب.
لم يكون مسموحاً لفدوى ولأمها وإخوتها البنات التحرك بحرية، أو عقد الصداقات النسائية، والخروج للمروج، أو تبادل زيارات القهوة الصباحية مع الجارات، «عندما كبرت عرفت مصدر الشقاء الخفي، إنه الحصار والقهر الاجتماعي المفروض على المرأة في بيتنا».
كبرت طوقان والمرض يرافقها، فقد كانت مصابة بالملاريا منذ الصغر، انعكس ذلك على بنيتها ولون بشرتها «وهكذا، كنت أنزوي في ليلة القدر عند ركن الساحة المكشوفة أرفه وجهي إلى السماء ضارعة إليها أن تجعل خدي لوناً جميلاً مشرباً بالحمرة حتى يكفوا عن تسميتي بالصفراء والخضراء، فقد كانت تلك التسمية تجرح إحساسي إلى درجة كبيرة».
وعندما تقول فدوى «بيتنا» فإن ذلك يدل على عن أن قانون عائلتها يشدد على المرأة بصورة خاصة، فيما يتعلق بالدراسة والخروج والتنقل.
فدوى طوقان في مقدمة الشعر النسائي العربي
أنزل يوسف على طوقان أخته الأصغر عقاباً شديداً، وكان ذلك لقاء حبها شاباً لم يتعد الخامسة عشرة من عمره، كان كما وصفته لطيفاً، يبادلها نظرات هادئة في الصباح ولم يتعد الأمر ذلك.
لم تتخط الطفلة فدوى حدود الجغرافيا التي حددها لها شقيقها، فكان الانتحار هو الهاجس الذي يسيطر عليها، ثورة وتمرداً على من سلب حريتها، ولكنها لم تستطع إشفاقاً على والدتها، فأورثها ذلك عزلة وانكفاءً على النفس، وتحصناً في العزلة.
عاصرت طوقان عدداً من الشعراء الفلسطينيين المرموقين أمثال سميح القاسم، وتوفيق زياد، ومحمود درويش، وإميل حبيبي. وقد تشاركت معهم في اللقاءات والندوات الأدبية الداعمة لمسيرة التحرير الفلسطيني، كما حصلت طوقان على جوائز عديدة من مختلف الأقطار، ومن أهمها جائزة أفضل شاعرة عربية
طوقان المولودة في نابلس (1917م-2003م)، وأخت الفلسطيني الشاعر إبراهيم طوقان الذي تلقت تعليمها على يديه، منذ أن تركت مقاعد الدراسة في المرحلة الابتدائية، فما الذي صنع طوقان التي لقبها محمود درويش بأم الشعر الفلسطيني؟
لم تدرس طوقان إلا لخمس سنوات أولاها في المدرسة الفاطمية وآخرها في المدرسة العائشية الشرقية، وكان أعلى صف فيها هو الصف الخامس، لم تترك المدرسة في نفس طوقان إلا الأثر الطيب، وهي كما تقول عثرت على أجزاء نفسها الضائعة فيها، وكانت مميزة في دروسها وعند معلماتها.
أما الحب الذي اختبرته لأول مرة في حياتها فقد كان وبالاً عليها، تقول: «ثم حلت اللعنة التي تضع النهاية للأشياء الجميلة، دخل علي يوسف كزوبعة هائجة، وأصدر حكمه القاضي بالإقامة الجبرية في البيت حتى يوم مماتي، كما هددني بالقتل إذا تخطيت عتبة المنزل، وخرج من الدار لتأديب الغلام».
حين أشرقت
حين حضر شقيقها إبراهيم من بيروت ليدرّس في مدرسة النجاح الوطنية، تغيرت حياة فدوى، «ومع وجه إبراهيم أشرق وجه الله على حياتي»، هكذا تقول طوقان، لقد نسيت فدوى شقاءها وراحت تعيش حاضرها الذي جعله إبراهيم حقلاً أخضر، أصبحت تسابق الزمن على جناح الحلم.
تعلمت فدوى على يديه قراءة الشعر دون أخطاء، ومن ثم نظمه في قواعده الصحيحة، ولو كانت طوقان تعلم أن حاضرها خصب جميل، لما جزعت من ماضيها البائس.
هكذا تقول طوقان، لقد كان مسبب الفرح وباعثه، فمنه أول هدية ومعه أول سفر « مع إقامة إبراهيم في نابلس بدأ سطر جديد في حياتي، أصبحت خدمته وتهيئة شؤونه هدف حياتي ومصدر سعاتي المفقودة، أرتب غرفته، أمسح الغبار عن رفوف كتبه وعن طاولته، أهيء له كل صباح الماء الساخن لحلاقة ذقنه وأحضره إليه..».
ولو كانت طوقان تعلم أن حاضرها خصب جميل، لما جزعت من ماضيها البائس الحاضر الذي جعلها تصمم على تحقيق ما تحلم به، الحاضر الذي جعلها تستيقظ والفجر بكل نشاط وحيوية.
ولكن ماذا عن فدوى الثائرة؟
تصف طوقان نابلس بأنها مسرح الثورات، وأهلها موصوفون بالتمرد والعصيان وشدة البأس، وقد ظلت هذه المدينة تحتفظ بذات التقاليد النضالية اتجاه الاحتلال البريطاني والاستعمار الغربي، وقد برز عدد من الشعراء وعلى رأسهم إبراهيم ممن عبروا عن الوجدان الفلسطيني وإلى جانبه عبد الكريم الكرمي «أبو سلمى»، وعبد الرحيم محمود، وكانت أعمالهم باكورة أدب الثورة الفلسطينية والذي أصبحت فدوى جزءًا منه فيما بعد، حيث نظمت قصائدها الوطنية عقب ثورة 1936م. ولكن قلمها سال بطابع وطني ثوري بعد نكسة حزيران 1967م بغزارة أكبر.
                       

العدد 1198 – 23 -7-2024     

آخر الأخبار
بمشاركة سورية.. انطلاق فعاليات المؤتمر الوزاري الرابع حول المرأة والأمن والسلم في جامعة الدول العربي... موضوع “تدقيق العقود والتصديق عليها” بين أخذ ورد في مجلس الوزراء.. الدكتور الجلالي: معالجة جذر إشكالي... بري: أحبطنا مفاعيل العدوان الإسرائيلي ونطوي لحظة تاريخية هي الأخطر على لبنان عناوين الصحف العالمية 27/11/2024 قانون يُجيز تعيين الخريجين الجامعيين الأوائل في وزارة التربية (مدرسين أو معلمي صف) دون مسابقة تفقد معبر العريضة بعد تعرضه لعدوان إسرائيلي الرئيس الأسد يصدر قانوناً بإحداث جامعة “اللاهوت المسيحي والدراسات الدينية والفلسفية” الرئيس الأسد يصدر قانون إحداث وزارة “التربية والتعليم” تحل بدلاً من الوزارة المحدثة عام 1944 هل ثمة وجه لاستنجاد نتنياهو بـ "دريفوس"؟ القوات الروسية تدمر معقلاً أوكرانياً في دونيتسك وتسقط 39 مسيرة الاستخبارات الروسية: الأنغلوسكسونيون يدفعون كييف للإرهاب النووي ناريشكين: قاعدة التنف تحولت إلى مصنع لإنتاج المسلحين الخاضعين للغرب الصين رداً على تهديدات ترامب: لا يوجد رابح في الحروب التجارية "ذا انترسبت": يجب محاكمة الولايات المتحدة على جرائمها أفضل عرض سريري بمؤتمر الجمعية الأمريكية للقدم السكرية في لوس أنجلوس لمستشفى دمشق الوزير المنجد: قانون التجارة الداخلية نقطة الانطلاق لتعديل بقية القوانين 7455 طناً الأقطان المستلمة  في محلجي العاصي ومحردة هطولات مطرية متفرقة في أغلب المحافظات إعادة فتح موانئ القطاع الجنوبي موقع "أنتي وور": الهروب إلى الأمام.. حالة "إسرائيل" اليوم