الملحق الثقافي-رنا بدري سلوم:
الكتابة عالمٌ على قدر ما هو واضح المعالم على قدر ما هو غامض وعميق، لا يستنير هذا الطريق إلا بشعلة المعرفة، وعلينا الاعتراف أننا لا نملك المطالعة الكافية في السير الذاتيّة لأهم الكتّاب والأدباء والمفكرين الذين تركوا لنا إرثاً لا يستهان به، وتبقى مطالعتنا عنهم ضحلة وخجولة إما في مقالة مختصرة تتحدّث عن رحيلهم، وإما تقريراً تلفزيونياً قد لا يفيهم حقهم، لتتصدّر سيرهم الذاتيّة محركات البحث، وتجعلنا نعترف أنّنا مقصّرون في قراءة من أضاء لنا الطريق في ظلمة الحياة الحالكة، ولا أخفيكم سراً تستوقفني السير الذاتية للأدباء الراحلين، وخاصة هذا الجزء من الكل في السياسة الاقتصاد الاجتماع الفن الموسيقا، لا يوجد كاتب يريد إيصال رسالته لقارئ مثقف لا يربط كل هذه الثقافات، ويضعها نصب عينيه، ويبحث عنها في محركات البحث كي يغني مادته الأدبية مقالة أم قصة أم تقريراً أو حتى خاطرة ما يضفي على المحتوى المقدّم المتعة والإفادة التي نجدها في مطالعة السيرة الذاتية لكاتبه المفضّل، والتي تدفعه لاقتناء الكتاب أو تحميله إلكترونياً، وخاصة للذين يكتبون لنا نحن القراء، يقول «َجان جاك روسو في مقدمة كتابه «الاعترافات» بأنّه سيُعرّي نفسه أمام قرائه دونما زيادة أو نقصان»، يا ترى هل وصلنا إلى هذه المرحلة من الجرأة، أن نبوح بكتاباتنا بكل ما يجول في جوارحنا؟ أم إننا نحكي فقط بعض البعض عنّا؟ آخذين بالحسبان أننا لا نكتب لأنفسنا بل نحن انعكاس للآخرين أيضاً «عندما أحدّثك عن نفسي أحدّثِك عن نفسك» وهل من رحل عنا من الكتاب بقي في جعبته الكثير ولم تستطع محركات البحث التحدث عنها بقصد التعتيم أو دون قصد؟! كلنا تحت وطأة هذه المحركات التي نابت في كثير من الأحيان عن تصفح إصدارات السير الذاتيّة التي لابد من الرجوع لها وإلا فثقافتنا ستكون واهية، لسيرٍ تعد الأكثر مرونة بين الفنون الأدبية والأقل وضوحاً.
العدد 1199 – 30 -7-2024