الثورة – رفاه الدروبي:
ألقى الباحث في تاريخ سورية القديم وآثارها الدكتور محمود حمود محاضرة عنوانها “العاج في المشرق العربي القديم” في ثقافي أبو رمانة.
مدير المركز عمار بقلة تناول حديثه أنَّ مادة العاج ثمينة وقادرة ومطلوبة منذ أقدم العصور، ويرجع استخدامها إلى كثافة ودقة حبيباتها وقابليتها للنقش والحفر، وتدلُّ الدراسات الأثرية والنماذج العاجيَّة الموجودة في متاحف العالم على أنَّ الإنسان السوري برع في تطويع المادة باستخدامات صناعية متعددة.
بالمقابل بيَّن الدكتور حمود أنَّ مادة العاج نفيسة جداً تختصُّ بالنخبة، لذا اهتم الأثرياء والملوك بها، ورعوا صُنَّاعها، وأمَّنوا كلَّ مستلزماتها، ما جعل مهنتها مزدهرة ومتقدِّمة، إذ بدأت صناعة العاج لأول مرَّة في سورية حوالي الألف الرابع قبل الميلاد، وحتى آخر اكتشافاته لمادة العاج المأخوذة من الفيل وفرس النهر باعتبارهما كانا يعيشان في سورية ثم انقرضا في القرن الثامن أو السابع قبل الميلاد.
كما أشار الباحث حمود إلى أنَّ المادة اكُتشفت في مدينة النمرود بالعراق “نينوى القديمة”، ومواقع سورية مختلفة منها أرسلان طاش قرب عين العرب، وتل الأحمر على الفرات الأوسط شرقي حلب، كما اُكتُشفت في سهل الغاب بحماة، وفي منطقتَيْ: تدمر وقطنا في محافظة حمص، ووُجد فيها الكثير من القطع الأثرية المصنوعة من مادة العاج، خاصة في القصر الملكي حيث تعود إلى ١٧٥٠ قبل الميلاد، إضافةً إلى وجود قطع أثرية في مدافن تعود للقرن الخامس عشر قبل الميلاد، كما اكتشفت في فلسطين وفي العديد من المواقع الأثرية الأخرى.
ولفت إلى استخدام تقنيات مختلفة في صناعة اللوحات وجزء منها كأثاث منزلي وفي القصور.أيضاً في علب المجوهرات، الحلي، المراهم الطبية، أدوات التجميل، واختصَّت المادة بالنخبة وسُمِّي فنّها “فن النخبة”، وانتشر في الألف الرابع قبل الميلاد بشكل هائل حتى لم يكن هناك مدينة أو مركز سوري إلا و وجدت فيه ورشة عمل لصناعة المادة النفيسة.
أوضح الدكتور حمود أنَّ المادة كانت تُصدَّر إلى أماكن قصيَّة حتى وصلت إلى إسبانيا، إيطاليا، اليونان، جزر بحر إيجة، كريت، شرق إيران، وتظهر أهميَّة المادة في الصناعة السورية اليوم من خلال استمرارها في فنَّي الصدف والموزاييك، مشيراً إلى اعتماد العراقيين على الفنانين والحرفيين السوريين من صنَّاع المنجور الخشبي لتوفُّر مادة الخشب في سورية وغيابها في العراق فكانوا يستقدمون العاج والفنانين من سورية إلى العراق كي يقوموا بنحت القطع حسب الطلب من خلال رصدهم للحياة النباتية والحيوانية المحيطة بهم ولاسيَّما في مدينة النمرود العراقية.
خاتماً حديثه.. أنَّ العاج منشأه سوري الأصل، وبُدئ بتدجين الفيل في الهند، إذ شرعوا يستقدمون الفيلة منها لاستخدامها في الحروب، نظراً لجلادتها وقوتها وثباتها. والاسكندر المقدوني اعتمد عليها في معاركه لذا جلب حوالى ٥٠٠ فيل منها.