الخيال.. وما الخيال هل هو ترف، أم هروب من الواقع، أم ضرورة للعلم والابتكار، ومواجهة تحديات المستقبل، واستشرافها؟ بل إنه تلك القوة الكامنة، والأداة الحيوية المحفزة للإبداع والابتكار، ومع التطور السريع للذكاء الاصطناعي، وتوقعات انتشاره في مختلف اتجاهات الحياة، أصبحت مجالات الخيال المنفتحة على كل الآفاق أكثر ضرورة من ذي قبل لتصور لنا الآثار المحتملة لهذه التقنية، وكيفية التعامل معها في سيناريوهات متنوعة للفوائد المحتملة إلى جانب المخاطر التي قد تواجهنا.
عندما نتحدث عن الخيال، غالباً ما ينصرف الذهن إلى مجال الخيال العلمي والأعمال الخيالية، بيد أن الخيال له تطبيقات واسعة من الأدب إلى العلوم وحتى الحياة اليومية، ففي الأدب يُعد الخيال المحرك الأساسي للإبداع ليستخدم الكتّاب والشعراء قوة التخيل في ابتكار عوالم، وشخصيات، وأحداث ذات أبعاد إنسانية، وفي مجال الهندسة على سبيل المثال يلعب الخيال دوراً حيوياً في تطوير أنظمة البناء، والبنى التحتية، ولولا الحديث المتخيل منها لما رأينا الأبراج الشاهقة، والعمارة الحديثة المتفوقة. وكذلك هو الخيال في مجال الصناعات، وإنتاج أنواع جديدة من المنتجات والخدمات، وفي العلوم جميعاً يقوم الخيال بدورٍ محوري في الاكتشافات، والابتكارات عندما يبدأ العلماء، والمخترعون بتصور أفكار جديدة، وعمليات غير مسبوقة قبل أن تترجم إلى واقع ملموس، وبغير هذه القدرة على التخيل، لما استطاع البشر الوصول إلى المعرفة العلمية المتقدمة التي نتمتع بها اليوم، والأمثلة كثيرة.
العالم يتغيّر بسرعة هائلة بفعل التقدم التكنولوجي، والتحولات الاجتماعية والبيئية، ويصبح الخيال ضرورياً لتخيل نماذج جديدة للحياة وللعمل، والتفاعل الاجتماعي، فالقدرة على تصور أساليب عيش، وعمل مختلفة تمكننا من التكيف بشكل أفضل مع هذه التغيرات.. وقد كان وما زال وسيظل عنصراً أساسياً في المخترعات الحديثة، وجميع مجالات العلوم بنظرياتها، وتطبيقاتها العملية.
لقد غيّر التطور العلمي الهائل الذي حصل في القرن العشرين وازداد تسارعاً في القرن الحادي والعشرين أقول إنه غيّر بشكل جذري أنماط التفكير والسلوك، والتفاعل مع المحيط الخارجي مقابل ما كان الناس عليه في الماضي إذ كانوا محدودين بالمعرفة، والخبرات المادية المباشرة، لكنهم اليوم أصبح بإمكانهم الوصول إلى مجموعة ضخمة من المعلومات، والتجارب الافتراضية في عالم متصل رقمياً يمكّن من الوصول إلى آفاق جديدة لم تكن متاحة من قبل، كما أصبح لدينا القدرة على استخدام الخيال لاستكشاف إمكانات لا نهائية من خلال التكنولوجيا الرقمية، والثورة المعلوماتية، وهذا التحول العميق أثر تالياً بشكل كبير على طريقة التفكير، وحفز لتجاوز الواقع المادي المحدود بما يخدم الخيال بشكل أكبر ويضع تحت تصرفه مجالات أوسع للابتكار، والإبداع.
أما العالم الافتراضي الذي أصبح امتداداً طبيعياً لعالمنا المادي متخطياً الحدود المكانية والزمانية فقد عزز القدرة على التفكير خارج الأطر المعروفة والمألوفة، ولهذا باتت الحاجة للخيال في عصرنا الحالي أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى.
إن مجرد القدرة على التخيل، والنظر إلى الأشياء من زوايا مختلفة يعدّ المفتاح لتطوير التفكير الإبداعي بإمكانات لا حصر لها، ورؤية الأمور بمنظور جديد يتجاوز الافتراضات المسبقة والحدود التقليدية، ولاسيما أن طرقاً حديثة أصبحت في متناول اليد لتحفيز الخيال من جلسات العصف الذهني المشترك مع الجماعة، والتشجيع على طرح الأفكار الجريئة، وأسئلة مفتوحة دون استنكار من المجتمع، وتعزيز للبيئة الداعمة، واستخدام تقنيات التحفيز من تمارين تخيلية، ورسوم تخطيطية، ونماذج مرئية لتوليد أفكار جديدة، وتصاميم فنية.. والأهم هو تبني ثقافة تقبل قبول الأخطاء، واعتبارها فرصاً للتعلم، والتحسين، وتشجيع المخاطرة المحسوبة، والتجريب بأفكار جديدة، إلى جانب التنوع، والاختلاف في وجهات النظر.
حقاً لقد تغيّرت حياتنا والحاجة إلى مزيد من الخيال أصبحت أكثر إلحاحاً فالحياة المعاصرة لا تستطيع أن تقف على رجل واحدة مادمنا في سباق لا يتوقف.