الملحق الثقافي- رفاه الدروبي:
يلقى المشهد الروائي في سورية تفاعلات وتطورات متعددة؛ سواء على مستوى إعادة التشكُّل البنيوي للفواعل المحلية، أو على مستوى خارطة المواقف والمصالح الدولية؛ ويشكل قياس أثر التفاعلات نفسها والتطورات على الاتجاهات العامة له محل اختبار دائم.
لكن كيف يبدو المشهد الروائي السوري؟ حملنا ما في جعبتنا للروائية والشاعرة سهير زغبور.
قصيدة النثر
تناول حديثها عن بدأ بوادر الكتابة لديها كانت في المرحلة الابتدائية على شكل موضوعات تعبير دائماً كانت تحظى بتميز من قبل معلميها، وتلقى تشجيعهم ما جعلها تطوِّر موهبتها لتنمو رويداً رويداً، وأخذت أشكالاً تنوَّعت بين الخاطرة، والقصة والشعر العمودي في المرحلة الثانوية، لكن قصيدة النثر لازمتها لأنَّها الأقرب إلى روحها والأكثر حضوراً، ووجدت نفسها بأنَّها بأمس الحاجة إلى التعبير عن مكنوناتها النفسية، كما نالت الرواية حظوة كبيرة عندها لذا أبصرت كتبها المطبوعة النور لأول مرة عام 2016، مُبيِّنةً أنَّ كتابها الأول عنوانه: «طقوس الحبِّ» ثم «نايات»، وتلاه «تسكنني السماء» لتأتي روايتها الأولى «طين أزرق»، وحالياً لديها ديوان ورواية قيد الكتابة حيث تقوم ببلورة ما بقي في الظلِّ لأعوام طويلة.
الروائية زغبور إجازة باللغة العربية – جامعة البعث، ترى أنَّ الكتابة فعل حياة تام، والكاتب الحق من يكون الفاعل ويملك أدوات تستطيع أن تبني، تعبِّر، تتعاطف، تنجز، فمجتمع لايقرأ لن يتقدَّم قيد خطوة، وكاتب لا يكتب بروح المجتمع سيبقى أسير ذاته أبداً يدور في حلقة مفرغة، وسيبقى حبره مقدداً حتى تجفَّ منه الروح، فالكلمة بنت زمانها، وقرينة مكانها. مفهوم لن يتغيَّر مهما تغيَّر المكان والزمان، لأنَّه يصطحب نسبه ومسقط فكرته أنَّى توجَّه تلك شيمتها منها نشأ الأدب: شعراً، نثراً، رواية، وغير ذلك من الأجناس الأدبية، مشيرةً إلى أنَّ تطورها عبر العصور كان دون أن تتخلى عن جذرها الزماني والمكاني، لأنَّ الأدب لسان حال الشعوب يعبِّر عن كلِّ مايتعلق بها، ولو أطَّرنا في حديثنا الآن مانحن بصدده في دائرة الأدب العربي منذ الجاهلية، وحتى يومنا الحالي، لوجدنا أنَّنا نطبق على ذلك التالف بين عناصره كوحدة منطقية للزمان والمكان مع الكلمة قبل أن نفرز أجناسه، فالصحارى لطالما جابها الشعراء وكانت مورداً لألفاظهم. أتت بنت بيئتها وعاداتها لذا كانت النتاجات الأدبية متقنة التركيب من تلك البيئات والأزمنة. ومع تطور الحضارات، وتعاقب العصور كان الأدب يسير بمحاذاتها متكئاً على أقلام بقيت مخلصة له حتى يومنا الراهن.
مكانة الرواية
كما لفتت زغبور إلى أنَّنا لو عبرنا سريعاً من الجاهلية حتى عصرنا الحديث فسنجد ذات القيمة لكن بأدوات مختلفة تؤكِّد النظرية ذاتها. وإذا ما ولجنا إلى فرز الأجناس عينها لنخصَّ الرواية بالحديث فسننطلق إلى خصوصية أخرى للرواية اليوم متسائلة: ما محلها في الساحة الأدبية، ما أدواتها ومضامينها العامة، وهل نجحت في احتواء عصرنا عصر التقانة وزمن الحرب؟
أجابت: لابدَّ من وقفة مطولة أمام الأسئلة المطروحة، لأنَّ الرد لا يختصر ببعض كلمات لكن ضيق المساحة تدفعنا إلى وضع رؤوس أقلام تحيط ببعض من واقعها، إذ من الطبيعي ألا نكون قرأنا كلَّ الروايات لكن ثمة سمة عامة غلبت على معظمها من تطرَّقنا إلى قراءته، وخصَّت بالذكر «يوميات الحرب» فمعظم روائيي عصرنا الحالي بادروا إلى كتابة روايات تصف الحرب، وتبعاتها وتفاصيلها وأوجاعها، معبِّرين عن مشاعرهم من جهة، وعن حال التغيُّر الحاصل مع وقوعها من جهة أخرى، وكان لكلِّ منهم أسلوبه ومفرداته باعتبارها أخصبت الواقع الروائي بغض النظر عن مستوى الكتابة، كما كان لعصر التقانة حصة من الحيز الروائي ذاته كواقع صار مفروضاً بأدواته، وخاصة ما يُنشر عبر الشابكة الإلكترونية، ومفرزاتها من أحداث وتواصل وغيرها، منوِّهة إلى ما تطرَْقت له في روايتها «طين أزرق» حيث ذهبت فيها بعيداً إلى عالم الحبِّ الغباري كونه يولد هنا في العالم الافتراضي الأزرق حتى يتحوَّل إلى طين يغرق به من ظن أنَّه سينجو.
طين أزرق
ثم أردفت الحديث عن روايتها بأنَّها أرادت التعبير من خلال صفحات لم تتجاوز المئة وعشر ورقات ومن خلال اللغة الأقرب إلى الشعرية والإحاطة بمخاطر الغوص في علاقات مجهولة لا يمكن معرفة معلومات عن أصحابها سوى الاسم وربَّما يكون مستعاراً، وصورة مفلترة وأرادت أن تنوه إلى الجانب الخطير من العالم نفسه لينسف كل محاسنه إن أسأنا التعامل معه فنحن نقف اليوم في برزخه لا شيء ننجزه إلا من خلاله، وبالمقابل لن ننجو من الموت فيه غرقاً إن لم نفهم بوصلته، منوِّهةً إلى أنَّها حاولت أن تجعل من روايتها صورة بسيطة تقدٌّم فيها الأفكار بطريقة أقرب إلى النثر الشعري كي تكون خفيفة الظل بقراءتها ثقيلة الوقع برسوها على بر الحقيقة، وخاصةً أنَّ نهايتها كانت مؤلمة إلى حدِّ الندم، وتشعر كأنَّها كانت تستدرج القارئ ليصل إلى
فكرةٍ ما كان لا يتلفَّت إليها أغلبنا، ونحن نقف حتى جذعنا في يمّه الواسع كي نحاول ألا نغرق في الطين الأزرق.
بينما رأت بأنَّ الرواية رغم أنَّها من القطع المتوسط لكنَّها حاولت فيها التركيز على مفاصل سارت بها نحو غايتها
ولم تقف كناقدة ذاتية التوصيف، إنَّما وقفت على الحياد تماماً في الحكم على جودتها أو العكس، فالأمر محض تظهير لحكاية حاولت فيها أن تحبك الأحداث بين الواقع والافتراضي، مستخدمةً أسلوب المفعول الرجعي للذاكرة كبداية لأحداث سرعان ما تتطور حتى تصل إلى العقدة لتأتي النهاية دون استئذان، لكن مع سابق إصرار وتصميم بعكس ماهية العلاقة الناشئة مصادفة بين رجل وامرأة من خلال العالم الافتراضي عينه.
العدد 1200– 6-8-2024