رواية ما قبل الحرب الإرهابية وما بعدها

الملحق الثقافي- حسين صقر:

لا يختلف اثنان أن حراكاً لافتاً شهده المشهد الروائي السوري في العقود الأخيرة الماضية إذا ما استثنينا سنوات الحرب الإرهابية على سورية، حيث ظهرت أسماء جديدة ولمعت للعلن مؤسسة لبناء روائي جميل في السرد والحدث والوصف، في وقت ظهرت على ساحة ذلك المشهد أسماء لم يكن لها أي خبرة أو تجربة، ولكن تميزت بعمل واحد أو عملين، ولكن سرعان ما انقلب هذا التميز سلباً على كاتبها أو مبدعها، بسبب نزعة الأنا التي تضخمت عنده، في وقت حافظ آخرون على تواضعهم وعطائهم. وإذا كان المشهد الروائي في سورية قد اتسم خلال فترة بظاهرة الاستسهال اللغوي والفني، والتي دفعت البعض ممن لايملكون الخبرة والتجربة في التأليف للانخراط في هذا المجال، إلا أن المشهد ظل محافظاً على صورته، وذلك بسبب قلة هؤلاء المنخرطين الجدد والمستسهلين، أمام أسماء لمعت وعُرفت بإبداعها وإنتاجها الأدبي الثري.
ما حدث بالتأكيد أدى لاستثارة النظر النقدي المتجدد بما فيه من أصوات جديدة، وتعبيرات فنية، ورؤى ومواقف فكرية وفلسفية واعية، وغير ذلك من الجوانب التي تتناولت النقد الإيجابي الهادف لتصويب دروب الرواية، وليس النيل من الدخلاء أو تعريتهم.
كثيرة هي الدراسات النقدية التي تناولت الجانب الروائي، والهدف تسليط الضوء على السيرة الروائية والطريق الذي يسلكه المبدعون بعيداً عن أية غاية أو قصد سوى الارتقاء بالنص وعناصره الأساسية.
فما بين الرواية والفنون الأخرى من أواصر، واستراتيجية تقاطعات كثيرة في اللغة والصورة وزمن الحدث، لكن الرواية تحكمها خصوصيات أخرى لأنها قد تمتد أحداثها لسنوات وتتحدث عن أجيال، بينما القصة تروي عن حدث يبدأ، وقد ينتهي خلال فترة قصيرة، وإذا امتدت لن تمتد لتاريخ روائي كامل.
وبعودة لسنوات الحرب الماضية التي فصلت المشهد، تبدو ملامح الجسم الروائي السوري الذي أفرزته تلك الحرب غير واضحة، وليست كثرة الروايات هي السبب الوحيد وراء ذلك، وإنما لأن قسماً كبيراً منها لا يجوز تصنيفه ضمن المشهد أساساً، لأنه يخلط الحابل بالنابل، ولم يكن هم صاحبه سوى تسجيل التأريخ لبعض الحالات أو توضيح موقفه مما يحدث، بعيداً عن الاهتمام بطبقات السرد، ولا البناء الروائي ولا تعدد الشخصيات أو الأصوات المفترضة فيها، بحيث تحول معظم ما تم إنجازه ضمن هذا الجنس الأدبي فترة الحرب على سورية إلى مجرد «خطاب أيديولوجي» لا يخلو من التقريرية الصحفية في بعض الأحيان، أو تدوين «سيرة فردية» أبعد ما تكون عن التخييل ومستوياته المتعددة، ثم يأتي هذا الكاتب أو ذاك للحديث عن نفسه وإنجازاته، وروايته التي يصورها أهم ما كتب في العصر الحديث.
هذا فضلاً عن أن ثمة روايات صدرت في الخارج كانت أقرب إلى تصفية حساب مع منظومة القيم الوطنية، وذات نبرة ثأرية، كما أنها تفتقد الصدقية كوثيقة جمالية أو بلاغية، وتراها في أحيان كثيرة غير مفهومة وتحمل عناوين تجريدية وتفاصيل برموز غامضة، وهو ما يعني النظر بعين واحدة في تفسير وقائع تلك الحرب، ولهذا من أجل تقييم المشهد ينبغي إزاحة عشرات العناوين التي اكتفت بسرد حكاية ما بصوت واحد، وحقيقة واحدة غير قابلة للجدل، بصرف النظر عن محتواها، حيث من المؤكد أن قيمة الرسالة ضمن الرواية تتأتى من كيفية صياغتها ضمن بنية فنية متماسكة، تحمل مقومات التجدد والاستمرارية، وليست كما يقال: نصوص بعكاز أو ذراع مبتورة.
ومع أن مخزوناً ثقيلاً خلفته الحرب على الأجساد والأرواح معاً، فبالتأكيد وعلى منوال مخلفات الحرب سنقع على نصوص مبتورة ومتشابهة وبعكاز، أو ذراع مبتورة، أو حالة عمى مؤقت.
لا يكفي أن تمتلك حكاية عن عبور البحر باتجاه دول اللجوء كي تظن بأنك روائي، وغالباً ما تكون هذه المدونات شبه شفوية، وتعمل على تمجيد الذات في المقام الأول باختراع بطولات وهمية للراوي «الحكواتي»، وليس هكذا يكون سفر الروايات.
وبالتالي سوف نقرأ عدداً من «الروايات» المسكونة بأصحابها، ولأسماء مجهولة، لم تكن يوماً جزءاً من المتن الروائي السوري، وتالياً، فهي أقرب إلى المذكرات المشتهاة بقصد الاستثمار الإيديولوجي والسياسي المدفوع الثمن من جهات ومنظمات مشبوهة.
ولهذا يصعب رسم خريطة بتضاريس واضحة للمشهد الروائي السوري الذي أفرزته السنوات العجاف الأخيرة، لأننا سنصادف خنادق متقابلة، وحفراً في الطريق، وحواجز، وقناصة، ومفردات ميدانية لها ما يقابلها في المدونة السردية، تبعاً لموقف هذا الروائي أو ذاك.

العدد 1200– 6-8-2024

آخر الأخبار
عبد الكافي كيال : صعوبات تعرقل إخماد حرائق جبل التركمان... واستنفار شامل دمشق تؤكد التزامها بإنهاء ملف الأسلحة الكيميائية.. حضور سوري لافت في لاهاي دمشق تنفي ما تداولته وسائل إعلام حول "تهديدات دبلوماسية" بحق لبنان من جديد .. محافظة دمشق تفعل لجان السكن البديل.. خطوات جديدة لتطبيق المرسوم 66 وتعويض أصحاب الحقوق رئيس مجلس مدينة كسب للثورة : البلدة  آمنة والمعبر لم يغلق إلا ساعة واحدة . إخماد حريقين في مشتى الحلو التهما  خمسة دونمات ونص من الأراضي الزراعية وزير الطوارئ :  نكسب الأرض تدريجياً في معركة إخماد الحرائق.. والغابات لم تُحسم بعد وفد من اتحاد الغرف التجارية وبورصات السلع التركي يلتقي الرئيس "الشرع" في دمشق الخضراء التي فتحت ذراعيها للسوريين.. إدلب خيار المهجرين الأول للعودة الآمنة باراك: لا تقدم في مفاوضات الحكومة السورية مع "قسد" و واشنطن تدعم دمجها سلمياً من  ألم النزوح إلى مسار التفوق العلمي..  عبد الرحمن عثمان خطّ اسمه في جامعات طب ألمانيا علما سوريا جيليك: نزع السلاح لا يقتصر على العراق.. يجب إنهاء وجود قسد  في سوريا رفع كفاءة الكوادر وتطوير الأداء الدعوي بالقنيطرة بين الصياغة والصرافة .. ازدواجية عمل محظورة وتلويح بالعقوبات نزهة الروح في ظلال الذاكرة.. السيران الدمشقي بنكهة الشاي على الحطب "تربية طرطوس": كامل الجاهزية لاستقبال امتحانات الشهادة الثانوية الغابات تحترق... والشعب يتّحد.. التفاف شعبي واسع لمواجهة حرائق الساحل وزير الطوارئ ومحافظ اللاذقية يستقبلان فرق مؤازرة من الحسكة والرقة ودير الزور سوريا تسعى لاستثمار اللحظة الراهنة وبناء شراكات استراتيجية تعكس تطلعات الشعب الاكتتاب على ١٢١ مقسماً جديداً في حسياء الصناعية