الملحق الثقافي-رنا بدري سلوم:
أيعقل أن تكون الرواية كاهنة أو عرّافة قرأت فنجان الحقيقة لتظهر ما يضمره المستقبل؟ فكيف لا، وهي من صنعت أحداثاً مسبقة عن خيالٍ علميّ وأحداث سياسية، ثورات، كوارث، أوبئة، وهنا تكمن رؤية الروائي المعمّقة الذي غالباً ما يستخدم الاستشراف لتمثيل الأحداث المتوقّعة في روايته أو يرسمها مسبقاً أو المتخيّل حدوثها في المستقبل، وقد يكشف الاستشراف أيضاً عن أجزاءٍ مهمّة من القّصة لم تحدث بعد، لكنها ستكشف قريباً بمزيد من التفصيل، إنه مشابه للتقنيّة السرديّة.. التنبؤ، التي لا تظهر فيها الأحداث المستقبليّة بل يتم التلميح إليها ضمنيّاً.. هكذا يُعرف الاستشراف، فماذا عن الاستقراء.. وتتبع الروائي أحد طرق الاستدلال واستنتاج حكم كلّي من تتبع جزئياته، فإن كان الاستدلال على الكلي بكل جزئياته، فهو استقراء تام، وهو قليل الوقوع، وإن كان الاستدلال على الكلي ببعض جزئياته، فهو استقراء ناقص وهو الأكثر وقوعاً.
أتذكرون رواية « ثرثرة فوق النيل» للأديب نجيب محفوظ، التي كتبها قبل عام من هزيمة ١٩٦٧ والتي تناولت أفكار المثقفين وواقعهم، تعطي لنا نماذج لأدلجاتهم التي عاشوها ردحاً من الزمن، وهي جامعة بين النقد السلبي والإيجابي، بين محاولة ترميم حالتهم التي تهدمت وإظهار سلطتهم التي يتمتعون بها على الصعيدين السياسي والمجتمعي، من أقوالها الشهيرة « إن الثورات يدبّرها الدهاة وينفذها الشجعان ثم يكسبها الجبناء» إذاً يعيش الروائي في حالة بين الاستشراف والاستقراء ويفصّل ثوباً يلائم قصة يحيكها الزمن فيما بعد، فيتنبأ وكأنه نبيّ، لأنه يملك عصمة العقل وجوهر التفكير الفلسفي فيظهر في كل شخصية من شخصيات روايته رؤاه الخاص، كتب محفوظ فيها «لم يكن عجيباً أن يعبد المصريّون فرعوناً، ولكن العجيب أن فرعون آمن حقاً بأنه إله»!
العدد 1200– 6-8-2024