رغم الفارق الهائل في الإمكانيات وظروف الاقتصاد.. المركزي يدرس تأثير التضخم على مالية “اليورو” ويقارنها محلياً
الثورة – دمشق – مازن جلال خيربك:
تأثير التضخم على المالية العامة في منطقة اليورو كان محور نقاش مصرف سورية المركزي في دراسة له، وهي الدراسة التي قد توحي بشيء وقد لا توحي بشيء في ظل مستويات هائلة ونوعية شرسة من التضخم تعصف بالبلاد، وفي ظل اختلاف بيّن في الإمكانات الاقتصادية بين سورية وبلاد منطقة اليورو ذات الإمكانيات الهائلة.
تحديات منطقة اليورو
وبحسب المركزي فقد واجهت منطقة اليورو في الآونة الأخيرة كغيرها من الاقتصادات المتقدمة تحديات فرضتها الزيادة السريعة والقوية في التضخم، حيث استهدف البنك المركزي الأوروبي معدل للتضخم نسبته 2% وذلك لما يقارب عقداً من الزمن، ارتفع بعدها التضخم في منطقه اليورو عام 2022 بوتيرة متسارعة، ما عكس بشكل أساسي صدمة الطاقة الناجمة عن الحرب الروسية الأوكرانية في شباط 2022، فسجل معدل التضخم على أساس سنوي ارتفاعاً من 1.9% لشهر حزيران عام 2021 إلى 10.6% في تشرين الأول عام 2022.
وعلى الرغم من الانخفاض في أسعار الطاقة والتخفيف من اختناقات العرض إلا أن التضخم استمر في الازدياد على عكس المتوقع، ولكن ونظراً لوجود علاقة سببية ذات اتجاهين بين التضخم والمالية العامة، فمن المتوقع أن يؤدي ارتفاع التضخم إلى تحسين المالية العامة على الأجل القصير حيث يؤدي إلى زيادة الإيرادات الحكومية، ولكنه قد يسبب رد فعل أقوى للإنفاق الحكومي مقارنة بمستويات التضخم المعتدلة.
زيادة الإنفاق الحكومي..!!
أما في سورية فقد اعتبر المركزي أن الحال فيها كما هو الحال في اقتصادات العالم، حيث تجرع الاقتصاد السوري نصيبه من التأثيرات الناجمة عن التطورات والأزمات العالمية، والتي ترجمت بزيادة أكبر وغير مسبوقة لمعدل التضخم، معتبراً أن من المفروغ منه أن المالية العامة في سورية تعرضت لضغط كبير عند هذه المستويات، وهو ضغط ظهر في زيادة الإنفاق الحكومي بشكل كبير مقارنة بالإيرادات التي بدت في غالبيتها أقل عملياً بالقيمة الحقيقية نظراً لعدة عوامل من أهمها الأزمة التي مرت بها البلاد لسنوات، وأدت لخفض التحصيل الضريبي وغيره، إلى جانب تضرر العديد من المناطق وفقدان إيرادات العديد من المشاريع، وما خلّفته من آثار سلبية على كل الجوانب الاقتصادية والعقوبات الاقتصادية المفروضة، وسلسلة الإعفاءات الضريبية التي سُنَّت بعد ذلك في سبيل إعادة الإعمار، والتي أدت جميعها بالتضافر مع الظروف العالمية إلى تراجع الإيرادات الحكومية وتزايد الإنفاق ولو بنسب لم تستطع من خلالها تغطية الفجوة بين مستويات التضخم المرتفعة وواقع معيشة الفرد، الأمر الذي يتطلب جهوداً كبيرة لاعتماد سياسات مالية ملائمة وغير مرهقة للدولة والمجتمع.
تجربة أوروبا وتأثيرها
وبحسب المركزي وفي ورقة أعدت لمصلحة البنك المركزي الأوروبي حللت تجريبياً تأثيرات التضخم على المالية العامة في منطقه اليورو، مع التركيز على مسألة ما إذا كان التضخم عند المستويات المرتفعة يمكن أن يكون له تأثير مرتفع على رصيد الميزانية الأولية، ولتحقيق ذلك قامت بتقدير دالّة رد الفعل FRF) Fiscal Reaction Function) لدول منطقة اليورو خلال الفترة الواقعة بين 1999 و2022، والذي يهدف إلى اختبار حالة الاستدامة الضعيفة إذا ما كانت الأرصدة الأولية تستجيب بشكل إيجابي لارتفاع مستويات التضخم، حيث طبقت الورقة منهجية PANEL DATA على عينتين اثنتين: الأولى: تمثل جميع دول منطقة اليورو، والثانية: تمثل الاقتصادات الأكثر تقدماً وهي 12 دولة خلال الفترة المدروسة.
تأثيرات سلبية غير خطيّة
الورقة التي أعدت لصالح البنك المركزي الأوروبي، أوضحت نتائجها وجود تأثيرات غير خطية سلبية للتضخم على الرصيد الأولي في الأجل القصير مع ثبات العوامل الأخرى المؤثرة، وهذه التأثيرات تظهر في الإنفاق الأولي ونسبة الإيرادات، وعليه فإن التضخم في المستويات المرتفعة قد يكون مكلفاً للمالية العامة، كما أن الصدمة التضخمية الخارجية من جانب العرض أقل ملاءمة، بل حتى ضارة للمالية العامة على الأجل القصير مقارنة بصدمة الطلب الداخلية، وبالتالي تظهر ضرورة الحفاظ على سياسات مالية سليمة، وعدم الاعتماد على التضخم المرتفع لخفض مستويات العجز والديون الكبيرة المتراكمة خلال الأزمات الأخيرة.