الثورة – عبد الحميد غانم:
شكل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر حدثاً انعطافياً، كسر الكثير من الصورة النمطية لدى مستوطني الكيان الصهيوني تجاه الأصعدة كلها، في الوقت الذي نقل فيه القضية الفلسطينية إلى مرحلة مهمة، استقطبت الاهتمام العالمي.
كان لهذا الحدث وما جرى بعده، تداعيات خطيرة مثلت عقدة نفسية لدى قادة العدو والمستوطنين، حيث تلاشت تلك الصورة لدى هذا الكيان الغاصب بأنه “الملاذ الآمن” لكل من يأتي إليه ويريد أن يستوطن به محتلاً.
تعد الهجرة الوافدة إلى الكيان الصهيوني عاملاً حاسماً لتحقيق استراتيجية التفوق الديموغرافي التي يسعى الكيان لتحقيقها في مواجهة تصاعد عدد الفلسطينيين.
حيث تزعم الصهيونية أن الغاية من وجود الكيان هي إيجاد مكان آمن يلجأ إليه المستوطنون الصهاينة “اليهود” إذا ما وقع عليهم اضطهاد في أي مكان في العالم.
رغم أنهم كانوا يشكلون تاريخاً قلقاً للمجتمعات التي كانوا يعيشون فيها، لكن الصورة المزعومة لقيام الكيان لم تعد اليوم مقنعة في أذهان المستوطنين، فقد تغيرت الأوضاع في أوطانهم الأصلية واندمجوا مع مجتمعاتهم.
ورغم ما دأبت دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية على نشر كم هائل من المعلومات حول الهجرة والمهاجرين إلى فلسطين فإنه يصعب العثور على أرقام دقيقة حول الهجرة المعاكسة أو ميزان الهجرة.
فالأرقام الصهيونية الحقيقية بخصوص الهجرة اليهودية الصهيونية المعاكسة دائماً تكون مشوبة بالغموض والتناقض أحيانا بسبب الحساسية الأمنية لهذه الظاهرة التي تزعج قادة العدو ويحاولون إخفاءها عن الإعلام.
وبهدف الحصول على مؤشرات الهجره المعاكسة لابد من البحث الدقيق في تقارير عدد المغادرين ودائرة الإحصاء الاسرائيلية حول هذا الأ،مر فهناك أعداد كبيرة من مغادري الكيان لا يدخلون ضمن الإحصاءات الإسرائيلية.
ويلاحظ من خلال الإحصاءات الصهيونية المعلنة عدم وجود أرقام رسمية واضحة حول الهجره المعاكسة من الكيان، لكن الشيء الثابت أن أعداد المغادرين من الكيان تحت عنوان السياحة أو العمل أو العلاج أو أية عناوين أخرى هي ظاهرة ليست جديدة، وقد بدأت منذ الأشهر الأولى للكيان في فلسطين المحتلة، وبرزت أولى موجات الهجرة المعاكسة من الكيان مبكراً.
لكن الثابت أننا نلاحظ أن أعداد المغادرين يزدادون عند حصول أزمات أمنية وسياسية واقتصادية داخل الكيان، أو عند تعرضه لتهديدات خارجية.
فنرى بعد حرب تشرين التحريرية عام 1973 ازدادت أعداد المغادرين للكيان، إذ تسببت نتائجها خاصة في اهتزاز ثقة أعداد كبيرة من المستوطنين الصهيونيين بمكانة الكيان عالمياً وقدرة قوات الاحتلال على حمايته، وأثارت شكوكاً بالقدرة الوجودية للكيان في حماية ذاته.
وعلى الرغم من زعم دائرة الإحصاء المركزية الصهيونية أن هبوطاً قد حصل في حجم الهجرة المعاكسة، لكن لا تزال هناك معلومات تشير إلى أن هناك ارتفاعا في حركة المغادرين خارج الكيان، وأن المعطيات حول المستوطنين المغادرين الذين يغادرون كيانا يرتفع وهو مستمر في الارتفاع لاسيما بعد حدوث السابع من تشرين أول من أكتوبر.
ولو عدنا إلى التاريخ لنجد أن المستوطنين المغادرين – كما أشرنا – يزدادون عند حدوث أزمات لدى الكيان سواء كانت اقتصادية أم أمنية أم سياسية، فنجد خلال السنوات من 2001 الى 2003 ارتفاع الهجرة المعاكسة بسبب الانتفاضات الفلسطينية، وكذلك الأمر بين عامي 2006 – 2007 في أعقاب العدوان الصهيوني على جنوب لبنان، وحين شن الكيان الغاصب عدواناً على غزة في عام 2012، وردت المقاومة الفلسطينية بمئات الصواريخ التي وصلت إلى مستوطنات القدس المحتلة وعاصمة الكيان تل أبيب استمر اتجاه ميزان الهجرة المعاكسة إلى ارتفاع في حين تقلصت الهجرة الوافدة.
ويلاحظ من ميزان الهجرة أن أكثر الصهاينة المغادرين خلال فتره 2009- 2012 هم من الفئات العمرية الشابة أي بأعمار ما بين 20 إلى 39 سنة، والذين يشكلون أساس العمل في مختلف المجالات لاسيما في بنية قوات الاحتلال.
كما يبين أعداد المغادرين في الفترة الزمنية نفسها دائماً أن أكثر العائدين دائماً سلبي لصالح أعداد المغادرين.
والملفت أن أعداد المغادرين يرتفع مع أي عدوان إسرائيلي ضد غزة وضد جنوب لبنان.
وفي جانب آخر، ونتيجة لطوفان السابع من أكتوبر، تدّلل استطلاعات الرأي المتتالية، إلى جانب مؤشّرات أخرى على انزياح عدد متزايد من المستوطنين الإسرائيليين نحو اليمين، بل واليمين المتطرّف أكثر مما كان قبل هذا الحدث التاريخي المؤسّس.
وهذا ما يتجلّى اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، فالإسرائيليون بما في ذلك مقارنة مع فترة الانتفاضة الثانية، باتوا أكثر تطرفاً ورفضاً لأي حل للقضية الفلسطينية، بل ويعتبرون حلّ الدولتين هدية خطيرة للفلسطينيين، وتتوافق المعارضة مع الائتلاف على رفض فكرة الدولة الفلسطينية.
