ثورة أون لاين – خالد الأشهب:
لم يعد التصفيق تعبيراً عن فرح أو إعجاب فقط , بل لقد تطورت « إيديولوجيا» التصفيق وغايات المصفقين لتتوازى أحياناً مع الكلمة وأحياناً أخرى مع السلاح ,
أي صار التصفيق بديلاً عن الكلام في مكان ما وبديلاً عن السلاح في مكان آخر .. تصفق هنا لتقول ما تخشى النطق به بالصوت , وتصفق هناك لتستعيض به عن سلاح تود استعماله , إذ يكفي أن تصفق في موضع ما لتقول أنا موافق , ويكفي أن تصفق في موضع آخر لتحرض من يحمل السلاح على استعماله !
منذ البدايات الأولى لما جرى في سورية , أشاح جلّ العالم نظره وصمّ آذانه عامداً أو مضللاً , عن استغاثة السوريين من أن ثمة إرهاباً يفتك بهم وببلادهم , وبعد أربع سنوات من القتل الأعمى والتخريب الممنهج صحا ذلك الجلّ من العالم على زيف ورياء ما قادته إليه حكوماته وإعلامه من قصر النظر وسوء النية , ومع أن مثل هذا العذر كان أقبح من الذنب نفسه بالنسبة إلى ذلك الجل , إلا أن جزءا يسيراً من السوريين الذين اصطفوا في « فسطاط « المعارضة عمداً , ولم يكونوا من المضللين أبداً .. باعتبارهم يعاينون الأشياء الجارية بأم العين وصيوان الأذن كانوا أشد سوءاً وأوقع أثراً وأكثر انحطاطاً من المنتمين إلى جل العالم المضلل إياه …
فقد رأوا بأم العين ما كان يجري ولا يزال .. وواصلوا اصطفافهم , عاينوا المذابح والمجازر بحق السوريين من مدنيين وعسكريين ولم ينبسوا ببنت شفة .. ولا حتى بإدانة أو شجب , وفي بعض الأحيان اتخذوا ما أوهموا السوريين أنه « حياد إيجابي « ذريعة للصمت والسكينة على طريقة سكان القبور , وبحجة أنهم دعاة تغيير سلميين أو دعاة ديمقراطية متحضرين .. التزموا الصمت والموت السريري المؤقت !
في الواقع كان هؤلاء يصفقون .. أجل يصفقون دون أن يمدوا يداً أو يعلوا صوتاً , قلوبهم الحاقدة تصفق وراحات أيديهم الميتة تصفق .. وسواء كانوا يعلمون أو لا يعلمون أنهم في حسابات وخطط وفلسفات « إسقاط النظام « مجرد صهوات يركبها الآخرون من الغزاة والغلاة .. وما أكثرهم على التخوم السورية أمس واليوم ؟
اليوم , صار هؤلاء أصحاب تجربة ومراس في التصفيق , وما عاد ثمة شيء مجاني بالنسبة إليهم سوى الدم المسفوك , باتوا يصفقون بأجر أو بعربون مدفوع , ويقبضون من كل مراهن عليهم وحتى على سواهم , من فصائل وتيارات وكتل ومجالس وائتلافات مصنعة أو قيد التصنيع في هذه العاصمة أو تلك .. خاصة بعدما صار الانسياب بينها كجري الماء في المنحدر , فترى أحدهم إخوانياً أو داعشياً في هذا الفصيل أو ذاك حتى يدس يده في جيبه , ثم ينساب ليبرالياً أو حتى نيوليبرالي نحو الفصيل الآخر ويفتح جيبه .. وينتظر !
كيف لمثل هذه الأيدي أن توحي للرئيس أوباما بأنها مجرد فانتازيا لا أكثر , ثم تغسل له دماغه وتقنعه بانسيابها السهل اليسير إلى واقعية التشكل .. لو لم تكن جاهزة للتصفيق ؟؟
المصدر: صحيفة الثورة