هفاف ميهوب
الحياةُ حكاية لا تنتهي، والإنسان توّاقٌ دوماً لسماعها أو روايتها، والحكايةُ مرآة الحياة، تجذبُ أذهان القرّاء من خلالِ عيونهم، وتنقلهم إلى أزمنةٍ وأمكنةٍ وعوالمٍ، ينقادون مرغمين إلى سحرها وغرائبيّتها..
طبعاً، الأمر يتعلّق بالراوي، وبمهارته في جذب القارئِ والاستحواذ على عقله، وفي تمكينه من الانتقال إلى ما وراء الأحلام، حيث الحياة التي يتخيّلها أو يبتكرها، تُدهش القارئ وتوقظُ وعيه.
هذا ما تفعله الحكاية التي تجعلنا، وعلى رأي «جوناثان غوتشل» مؤلف كتاب «الحيوان الحكّاء»: «نستلقي ونحن نسمح للكتّابِ أن ينفخوا المتعة والسحر في أدمغتنا».. تجعلنا أيضاً، وعلى رأي الأديب الروسي «فلاديمير نابوكوف»: «نألفُ على نحوٍ لا معقول، معجزة تكمن في قدرة بضعِ إشاراتٍ مكتوبة، على احتواءِ الخيالِ الخالد، والفكر المعقّد، والعوالم الجديدة الحافلة بأناسٍ أحياء، يتكلّمون وينتحبون ويضحكون».
نعم هي الحكاية، التي وصفها الكاتب والأديب الإوروغواياني «إدواردو غاليانو» بالتحدّي الأصعب لدى الراوي، وصفها بذلك في إحدى أمسياته، وعندما طلب منه بعض الحضور، أن يحدّثهم عن البحر، فلبث صامتاً للحظاتٍ قال عنها، وبعد أن ألحّوا في طلبهم، رغم أن بينهم من لم يعرف البحر مطلقاً: «لم يكن لديّ خيار سوى أن آخذهم إلى البحر، وأن أجد الكلمات التي يمكن أن تبلّلهم حتى العظم»..
لم تكن الحكاية بتلك الصعوبة، لدى الروائي الكولومبي «ماركيز» لطالما ترعرع على حكايا جدّته.. «عذراء المعجزات» التي تملأ المنزل بالحكايات الخيالية والفانتازيا.. الحكايات التي عاشَ حياة مترعة بخوارقها، والتي تأثّر بها حدّ شعوره، بأن ما يُروى أمراً طبيعياً تماماً، بل حقيقة دامغة ألهمته، شخصية «أورسولا» التي استخدمها بعد حوالي 30 عاماً، في روايته الشهيرة «مائة عام من العزلة».
بيد أن الأمر ذاته، حدث مع الأديبة التشيلية «إيزابيل الليندي»، فهي ورغم تأثّرها الكبير بواقعية «ماركيز» السحرية، إلا أن تأثّرها الأكبر، كان وكما هذا الأديب، ومُذ تفتّح وعيهما على الحياة، بقصصِ ألف ليلة وليلة التي قالت عن عوالمها الغرائبية:
«تهتُ داخل الخزانة في حكاية سحرية، عن أمراءٍ ينتقلون على بساطِ الريح، وجنّيين محبوسين في مصابيح، ولصوصٌ ظرفاء يتسلّلون إلى أجنحة حريم السلطان، متنكّرين في زيّ عجائز.. لقد بلغت أوصاف الأطعمة والمناظر والقصور والأسواق والروائح والأنسجة حداً، فيه من الغنى والتنوّع، ما جعلني أشعر بأن عالمي، لم يعد هو على الإطلاق»..