الثورة – رشا سلوم:
تشكل المخطوطات العربية ثروة هائلة لا تقدر بثمن، وما تركه الأجداد في هذا المجال كبير وكبير جداً، صحيح أن معظم المخطوطات العربية موزعة في أنحاء العالم، لكن يجب الإشارة إلى أن سورية كانت السباقة في صون وحفظ وترميم واستعادة المخطوطات العربية وكذلك تحقيقها، ومن ثم إصدار الدوريات المتخصصة بها، نقف اليوم عند العدد الأخير من مجلة المخطوط العربي الذي صدر منذ أيام، وقد كتبت في مستهله وزير الثقافة الدكتورة لبانة مشوح عن العلاقة بين اللغة والكتابة فقالت:
قبل نحو ثلاثة ملايين سنة ونيف حين كان إنسان العصور الحجرية يسكن الكهوف ويصنع أدواته من الحجارة والعظام ويقتات على ما يصطاد كانت وسيلته للتعبير والتواصل لا تتعدى حدود أصوات يصدرها من غضب أو خوف أو ألم أو رغبة، اكتشف النار وما لبث أن عمل بالزراعة وصنع الخزف والنسيج ومارس التجارة ثم تعرف المعادن وكيفية صهرها وصنع أدوات تعينه على البقاء في بيئته.
تطورت لاحقاً مقدرته اللغوية فكانت انعكاساً لتطوره دماغياً وأحدثت نقلة نوعية في تطور أنماط سلوكه الاجتماعي ومستوى أنشطته الاقتصادية، لكن الانتقال من اللغة إلى الكتابة لم يحدث بين ليلة وضحاها بل مر بمخاض طويل عسير.
بدأ الإنسان منذ الألف الخامس قبل الميلاد بالنقش على الحجر كتابة تصويرية ثم ابتكر الكتابة المسمارية التي فك علماء الآثار طلاسمها في القرن التاسع عشر، فأمكن بذلك قراءة ما دوّن السومريون بها على ألواح طينية من سجلاتهم الرسمية وأعمال ملوكهم وشؤون حياتهم العامة كالمعاملات التجارية والأحوال الشخصية والمراسلات والآداب والأساطير وشؤون دينهم وعباداتهم وعلومهم.
ومن أعظم ما خطه إنسان الشرق القديم على الرقم الطينية بالكتابة المسمارية وقائع حكم الملك حمورابي وأحكام شريعته التي ضمنت القانون المدني والأحوال الشخصية وقانون العقوبات بفضل ذاك التدوين انتقلت الحضارة من المشرق العربي القديم إلى جميع أطراف العالم القديم.
وفي منتصف الألف الثاني قبل الميلاد ظهرت في أوغاريت ثورة على أنماط الكتابة التصويرية والمقطعية المعقدة، فكان الاختراع الذي قدم للإنسانية واحدة من أعظم المساهمات الحضارية: أبجدية أوغاريت التي أوجدت الحروف فسهلت الكتابة، أصبحت أبجدية أوغاريت أساساً للكتابة في شرق العالم القديم وغربه.
ولما طور الإغريق أبجديتهم نحو سنة ٤٠٣ ق.م أسسوها على أبجدية أوغاريت وعنها أخذ الرومان أبجديتهم أخذوا منها حروفاً، وأدخلوا عليها أخرى بسطت الكتابة وجعلها في متناول الجميع.
ذاك كان أول إنجاز حقيقي أسهم في نشر المعرفة.
وفي العدد نقرأ أيضاً مشوح، الفهرسة من صميم أعمال تحقيق النصوص- رئيس التحرير الدكتور محمد قاسم، تصحيفات أئمة اللغة في العباب الزاخر.. د. محمد بهاء بن حسن ككو، التمكن من علوم العربية وتحقيق التراث اللزوميات مثالاً – د. ملك عبد الرحمن سكيف، ألف ليلة وليلة الأكثر رواجاً في عصر التنوير…” وغيرها من الموضوعات للمهتمين.
مجلة المخطوط العربي مجلة علميّة نصف سنوية، تصدر عن الهيئة العامة السورية للكتاب، وتُعنى بالمخطوطات وتحقيقها وتاريخ العلوم عند العرب.