اختيار زمن الحروب والمعارك وتوقيته ليس أمراً عبثياً فمن يخطط لحرب أو معركة أو هجوم يضع في الاعتبار العديد من العوامل ومنها توقيت ساعة الحرب ويومها، فعلى سبيل المثال عند الاتفاق السوري -المصري في حرب تشرين تم اختيار يوم عيد ديني عند اليهود وأيضاً في شهر رمضان بالنسبة للعرب والمسلمين ليكون دافعاً إضافياً لروح الاستشهاد والمواجهة ،وكذلك الأمربتوقيت الهجوم الذي قامت به المقاومة الفلسطينية في معركة طوفان الأقصى عام 2023 ،فثمة ظروف ايجابية لدى الجهة التي تقوم بالهجوم ونقاط ضعف تراها في الطرف الآخر تعمل على استغلالها لتحقيق أكبر قدرمن النجاح وأقل ثمن في الخسائر وباعتقادي أن مجموع الاعتداءات التي شنتها القوات الاسرائيلية سواء عمليات الاغتيال أو الضربات الجوية لمواقع عسكرية ومدنية في لبنان أو عملية اغتيال رئيس المكتب السياسي اسماعيل هنية في طهران مرتبطة بظروف رأت فيها حكومة الاحتلال الإسرائيلية والأجهزة العسكرية والاستخباراتية ظروفاً مناسبة للقيام بذلك، منها أن ايران تعيش حالة انتقال للسلطة من المحافظين والإصلاحيين وهي بالتالي منشغلة بتلك العملية ولا تتوفر لديها ظروف مثالية للرد المناسب على العدوان الاسرائيلي، لاسيما وأن ثمة حديثاً عن الرغبة بالتقارب مع الغرب قد لا تكون راغبة في تعكير صفوه عبر ضربة موجعة لاسرائيل تعيد خلط الأوراق آخذاً في الاعتبار أن ثمة اصراراً اسرائيلياً على تعطيل أي تقارب بين أميركا ودول الغرب من جهة وايران من جهة أخرى، وهذا ما قد حصل حتى الآن أما بالنسبة لنقل الجهد العسكري الإسرائيلي إلى جبهة الشمال فيدخل في نفس السياق ولكنّه اعتمد سياسة الضرب العمودي ومن ثم الأفقي بالنسبة للمقاومة اللبنانية فبدل ضرب المواقع العسكرية بدأت العملية بضرب القيادات الوسطى وصولا “لرأس هرم المقاومة ممثلاً بالسيد الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله وأركان القيادة في الحزب لجهة خلق حالة فوضى اعتقدتها القيادة السياسية والعسكرية والأمنية في الكيان لاتجعله قادراً على الرد ،إضافة أن لبنان يعيش حالة فراغ سياسي في مؤسساته فلا رئيس للجمهورية ولا حكومة مستقرة بل حكومة تصريف أعمال إضافة للوضع الاقتصادي في لبنان وحالة التنافر السياسي التي يعيشها إذن في الحسابات السياسية الاسرائيلية لبنان يعيش حالة شلل وانقسام سياسي ومجتمعي يمكن الاستثمار فيها واستغلالها، وفي ظلّ هذه الأجواء مارس الكيان الصهيوني حرباً مفتوحة في لبنان وبدعم مشاركة خارجية أميركية وغربية واضحة في ذلك العدوان ، واستثماراً في تلك الظروف الاقليمية استغل الصهاينة حالة الغيبوبة السياسية التي تعيشها الولايات المتحدة الأميركية بفعل اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والحاجة للصوت اليهودي ليحصلوا على أكبر دعم عسكري وسياسي وإعلامي لحربهم المفتوحة على دول المنطقة مع سعي واضح لتوريط الأميركي في مواجهة مع ايران العدو اللدود لاسرائيل للتخلص من برنامجها النووي وإخراجها من دائرة الصراع بوصفها أحد اهم الداعمين لقوى المقاومة وقوته المغذية الأساسية وفقاً للرؤية الاستراتيجية الاسرائيلية في تعريف الخصوم .
من خلال ما تمّت الإشارة إليه يبدو واضحاً أن توقيت تلك الحرب المفتوحة جاء استثماراً في تلك الظروف واعتقاداً من راسم القرار في الكيان الصهيوني أنها الظروف المناسبة لجني أكبر المكاسب العسكرية والاستراتيجية بأقل الخسائر، من هنا يمكن تفسير توسع بنك الأهداف الإسرائيلية من عودة مستوطني الشمال إلى نزع سلاح حزب الله وتطبيق القرارات 1559 و1701 والتي لم تعد مطالب اسرائيلية فقط بل مطالب أميركية أوروبية ومن معها من قوى في لبنان وبعض دول المنطقة، ما يعني أن الموضوع والعمل لا يقتصر على الجانب الأمني وإنما يمتد لدائرة أوسع تشمل رسم خريطة جديدة للمنطقة، وهذا ما جاء على لسان رئيس وزراء الكيان الصهيوني نتنياهو قبل عدة أيام بحديثه عن تغيير استراتيجي في المنطقة وشرق أوسط جديد كانت قد بشرت به كونداليزا رايس قبل عقدين من الزمن وكذلك بحديثة عن قيامة جديدة لاسرائيل استدعاء من موروث توراتي .
إن ما يؤكد حقيقة أن المنطقة أمام مشروع خطير يتجاوز غزة ولبنان هو ذلك التنسيق غير المسبوق بين الأميركي والاسرائيلي والغربي الأوروبي على كلّ الصعد بدليل حجم الحشد العسكري الغربي في المنطقة الذي ليس له سابقة منذ الحرب العالمية الثانية حيث تتواجد عشرات البوارج وحاملات الطائرات والغواصات النووية في المنطقة مع حشد غير مسبوق لعشرات الآلاف من الجنود والقوات البرية في القواعد العسكرية الأميركية في المنطقة فهل يعقل أن كلّ هذا الحشد لمواجهة أو معركة في غزة أو جنوب لبنان أم أن وراء الأكمة ما وراءها ؟.

السابق
التالي