مزارعو القطن يقرعون جرس الإنذار.. والصناعيون يدقون ناقوس الخطر  تراجع كميات الأقطان والواقع يحتاج لخطة شاملة    

الثورة – تحقيق جهاد اصطيف:  

في سهول الشيخ أحمد بريف حلب الشرقي، يقف المزارع أبو علي على حافة حقله، يتأمل بقايا أغصان قطن أنهكها الجفاف والآفات، نظراته تحكي قصة محصول استراتيجي كان، يوماً ما، يعرف بـ” الذهب الأبيض” في سوريا، قبل أن تذبل زراعته تحت وطأة الأزمات.

بصوت يمتزج فيه اليأس بالحسرة، يقول: زراعة القطن اليوم تواجه تحديات لا حصر لها، أولها:

تقليص المساحة المسموح بزراعتها إلى 2 بالمئة فقط من الخطة الزراعية، رغم أن النسبة المقررة أساساً تصل إلى نحو 40 بالمئة، تخيل أن تملك عشرة هكتارات، ولا يسمح لك بزراعة أكثر من دونمين..؟ أي إنتاج يمكن أن نحصل عليه؟.

إنتاج لا يغطي التكاليف

أبو علي، وخلال حديثه لصحيفة الثورة، أوضح أنه زرع الموسم الماضي ستة دونمات فقط، لم يحصد منها سوى 150 كيلوغراماً من القطن، ويشرح الأرقام ببساطة موجعة: “سعر الكيلو 10 آلاف ليرة سورية، لكن تكلفة الإنتاج باهظة جداً، وعندما تقارن الوارد بالمصروف تجد أن تسويق المحصول نفسه خسارة مؤكدة”.

الأرقام التي ذكرها أبو علي ليست حالة فردية، بل هي حالة تعكس واقع مئات المزارعين، ووفق بيانات الزراعة، فإن تكلفة الهكتار الواحد قد تضاعفت أكثر من أربع مرات خلال السنوات الخمس الأخيرة، مدفوعة بارتفاع أسعار المحروقات والأسمدة وأجور العمالة، فضلاً عن مصاريف صيانة الآليات وشبكات الري.

لم تتوقف معاناة المزارعين عند حدود المساحة المسموح بزراعتها، إذ يقول أبو علي عن البذار الموزع حكومياً: “البذار سيئ النوعية، ما يدفع الكثيرين للجوء إلى بذار مهرب بحثاً عن إنتاج أفضل”.

إن رحلة الإنتاج لا تتوقف عند البذار، فالدعم الرسمي- كما يصفه- “معدوم”: “لا محروقات، لا سماد، لا مبيدات حشرية، وحتى حين نراجع الوحدات الإرشادية طلباً لمكافحة الآفات، يكون الرد دائماً: حالياً لا يوجد، وعندما نضطر لاستخدام مبيدات ممنوعة منعاً باتاً لأنها مضرة، لإنقاذ المحصول من الدودة، نلام على ذلك، فماذا نفعل؟ هل نقف متفرجين على محصول يلتهمه الضرر ونحن بلا حول ولا قوة”؟.

يعد القطن من أكثر المحاصيل حاجة للمياه، إذ يحتاج لعدة ريات منتظمة، بعكس القمح الذي يكتفي بريتين، ومع ندرة المياه وارتفاع تكاليف الضخّ من الآبار، تصبح الزراعة شبه مستحيلة.

يقول أبو علي بلهجة حاسمة: إذا لم تتوفر المياه، لا يمكن أن نتحدث عن قطن على الإطلاق.

المهندس الزراعي حسن عبد الغفور، يؤكد أن نقص المياه نتيجة الجفاف وتراجع مخزون السدود ونضوب عدد كبير من الآبار السطحية والارتوازية، جعل عملية الري شديدة الصعوبة، واعتماد بعض المناطق على مياه نهر الفرات أصبح مهدداً مع انخفاض منسوب النهر وتراجع الوارد المائي من دول الجوار.

على الرغم من الإحباط، يقترح المزارع أبو علي خطوات لإنعاش زراعة القطن، منها: تطبيق الخطة الزراعية المقررة، والسماح بزراعة 40- 50 بالمئة من المساحات بدلاً من 2- 3 بالمئة فقط، ودفع المستحقات في وقتها، (إذ إنني تسلمت مستحقاتي عن محصول 2024 في 29 حزيران 2025، أي بعد 9 أشهر كاملة من تسليم المحصول!)، كما يجب توفير مستلزمات الإنتاج عبر المصرف الزراعي، فهو، حالياً، غير مفوض بتقديم أي دعم للفلاحين.

ويرى مزارعون آخرون أن إعادة تفعيل دور الجمعيات الفلاحية يمكن أن يكون خطوة عملية، شرط أن تمنح صلاحيات توفير المستلزمات وشراء المحصول وتسويقه.

مكتب القطن.. مهام متعددة ولكن!

مدير مكتب القطن، الدكتور محمد معري، وفي معرض تعليقه على واقع هذا المحصول الاستراتيجي، أوضح أن مكتب القطن يقوم بمهام متعددة، تبدأ بمتابعة إنتاج البذار الزراعي وإكثاره، ثم توزيعه وتسليمه للمزارعين في مختلف المناطق، إلى جانب الإشراف المباشر على متابعة حالة المحصول العامة طوال فترة نموه، وجمع الإحصائيات الدقيقة المتعلقة به في جميع أراضي الجمهورية العربية السورية.

كما أن المكتب يواصل عمله، إذ يتابع عمليات القطاف والتسليم للمحالج، مروراً بفرز القطن ومراقبته أثناء مراحل الحلج، وصولاً إلى إصدار التراخيص اللازمة للنقل، سواء للبذور الصناعية أم لعمليات العصر، فضلاً عن منح تراخيص التصدير والاستيراد الخاصة بالقطن، كما يضطلع المكتب بدور إرشادي مهم، من خلال تنفيذ نشاطات إرشادية وأيام حقلية تستهدف المزارعين، لرفع مستوى المعرفة بالممارسات الزراعية المثلى التي تساهم في تحسين الإنتاج.

وحول الخطة الزراعية لمحصول القطن، كشف معري أن المساحة المخططة للزراعة في عام 2025 بلغت 41,452 هكتاراً، إلا أن المساحة الفعلية التي تمت زراعتها لم تتجاوز 25,904 هكتارات، أي بنسبة تنفيذ بلغت 62.5 بالمئة من إجمالي الخطة.

أهم التحدّيات

وأشار د. معري إلى أن أهم التحديات التي واجهت تنفيذ الخطة كانت حالة الجفاف التي شهدتها بعض المناطق، وقلة مياه الري المتاحة، وهي عوامل كان لها أثر مباشر على قدرة المزارعين على التوسع في الزراعة أو الالتزام بالمساحات المقررة.

وبيّن أن الأصناف المعتمدة للزراعة في المحافظات المنتجة هي: حلب 118، حلب 124، دير الزور 22، الرقة 5، وحلب 90، وجميعها أصناف أثبتت جدواها وإنتاجيتها العالية، شرط زراعتها في المواعيد المناسبة، وفي المحافظات المخصصة لها، وفق ما تم إقراره في مؤتمر القطن.

وأوضح أن هذه الأصناف، في حال خضعت لعمليات خدمة مناسبة خلال موسم الزراعة، فهي قادرة على إعطاء إنتاجية مرتفعة ونوعية جيدة، الأمر الذي ينعكس إيجاباً على دخل المزارعين وعلى الاقتصاد الزراعي عموماً.

وفيما يتعلق بمستحقات الفلاحين، أوضح د. معري أن المؤسسة العامة لحلج وتسويق الأقطان هي الجهة المخولة بشراء المحصول من المزارعين، وهي المسؤولة عن صرف مستحقاتهم المالية، حيث تقوم بتحويل المبالغ المستحقة إلى المصارف الزراعية ليتم صرفها لهم مباشرة.

وبين أن التأخير الذي حصل في الموسم الماضي كان نتيجة أمور مالية خارجة عن إرادة المؤسسة، إلا أنه تم اتخاذ إجراءات لمعالجة هذا الأمر في الموسم الحالي، مؤكداً أنه سيتم وضع تسعيرة مناسبة للشراء تضمن حقوق الفلاحين وتشجعهم على الاستمرار بزراعة هذا المحصول الحيوي.

أرقام صادمة

البيانات الرسمية تكشف تراجعاً حاداً، إذ انخفض إنتاج سوريا من 750 ألف طن عام 2011، محتلاً المرتبة الثامنة عالمياً، إلى أقل من 14 ألف طن عام 2024، وتقلصت المساحات المزروعة من 250 ألف هكتار إلى أقل من 35 ألف هكتار، وتوقفت غالبية المحالج، باستثناء محلجي العاصي في حماة، وتشرين في حلب.

في عام 2010، كانت سوريا ثاني أكبر منتج عالمي لألياف القطن العضوي بعد الهند، بإنتاج بلغ 20 ألف طن، والصناعات النسيجية كانت تساهم بـ 27 بالمئة من الناتج الصناعي غير النفطي و45 بالمئة من الصادرات غير النفطية.

كما أظهرت تقارير حكومية أن صادرات القطن تقلصت إلى نحو 25,714 طناً في عام 2020، وتراجعت كميات الأقطان المحبوبة بنسبة 99 بالمئة، والمحلوجة بنسبة 95 بالمئة، والبذور المنتجة بنسبة 96 بالمئة.

المهندس حسن عبد الغفور يحدد أبرز الأسباب: شح المياه وجفاف مصادر الري، وغياب الدعم اللوجستي والإداري، إذ لا يحصل الفلاحون على مستلزمات الإنتاج بأسعار مدعومة أو كميات كافية، وارتفاع تكاليف الزراعة، المحروقات، العمالة، الصيانة ، وانتشار الحشرات والأمراض، وعلى رأسها دودة اللوز، من دون خطط مكافحة فعالة، وتأخر دفع مستحقات الفلاحين، ما يدفعهم للعزوف عن الزراعة.

 في دائرة الخطر

القطن ليس مجرد محصول، بل مادة أولية لصناعات نسيجية وزيتية وحلج وبذور.. عدد من الصناعيين حذروا من أن تراجع إنتاج القطن يعني انكماش سلسلة إنتاج كاملة، من الحقول إلى المعامل، إذا استمر الوضع، سنضطر لاستيراد القطن بأسعار مضاعفة، ما سيؤدي إلى توقف بعض المعامل وتسريح آلاف العمال.

ويضيف هؤلاء: إن سوريا كانت قبل عام 2010 تصدر بما يقارب مليار دولار سنوياً من القطن ومشتقاته، ما جعله يحتل المرتبة الثانية بعد النفط في قيمة التصدير.

المزارعون، ومن خلفهم الصناعيون والاقتصاديون، يطالبون الحكومة بخطة إنقاذ عاجلة تتضمن: زيادة المساحات المسموح بزراعتها، وتوفير البذار المحسن والمبيدات والمياه بأسعار مدعومة، ودفع المستحقات فور التسليم، وإعادة تأهيل شبكات الري، وتفعيل دور الجمعيات الفلاحية.

المزارع أبو أحمد، يلخص المشهد بجملة: إذا لم تغير الحكومة نظرتها لمحصول القطن، سنصل لمرحلة لا نجد فيها ولو بذرة واحدة في أرضنا.. وسنكتفي بالحديث عن الماضي حين كان قطننا ذهباً أبيض.

آخر الأخبار
مناقشة تعزيز الاستقرار وسيادة القانون بدرعا  "الأوقاف" تعيد "كندي دمشق"إلى المؤسسة العامة للسينما  سوريا و"الإيسيسكو" تبحثان التعاون العلمي وحماية التراث الثقافي في سوريا  الاقتصاد تسمح باستمرار استيراد الجلديات وفق شروط "فسحة أمل" بدرعا ترسم البسمة على وجوه الأطفال المهجرين   عشائر عرب السويداء:  نحن أصحاب الأرض و مكون أساسي في السويداء ولنا الحق بأي قرار يخص المحافظة  المبيدات الزراعية.. مخاطرها محتملة فهل تزول آثارها من الأغذية عند غسلها؟ "العقاري" على خُطا "التجاري" سباق في أسعار السلع مع استمرار تصاعد سعر الصرف "الموازي" النباتات العطرية .. بين متطلبات الازدهار وحاجة التسويق 566 طن حليب إنتاج مبقرة فديو باللاذقية.. والإنتاج بأعلى مستوياته أولمبي كرتنا يواصل تحضيراته بمعسكر خارجي ومواجهات ودية حل فعال للحد من مضاربات الصرافة.. مصرفي : ضبط السوق بتجسير الهوة بين السعرين رسمياً المواس باقٍ مع الشرطة الرئيس الشرع يستقبل البطريرك يازجي .. تأكيد على ترسيخ أواصر المواطنة والتآخي شركات التأمين .. الكفاءة المفقودة  ! سامر العش لـ"الثورة": نحن أمام فرصة تاريخية لتفعيل حقيقي  للقطا... "ممر زنغزور".. وإعادة  رسم الخرائط في القوقاز الإنتاج الزراعي .. مشكلات "بالجملة " تبحث عن حلول  وتدخلات الحكومة خجولة ! أكرم عفيف لـ"الثورة": يحت... قبل خسارة صناعتنا.. كيف نستعيد أسواقنا التصديرية؟ رئيس الوزراء اللبناني يؤكد ضرورة بناء علاقة سوية مع سوريا