الثورة- منهل إبراهيم:
تعتبر مسألة إدارة الموارد المائية من القضايا الملحة في سوريا التي تمر بمحنة مائية تحيط بها جملة من التحديات المتمثلة بتغير المناخ وما أفرزه من حالة جفاف لم تعرفها سوريا منذ عقود من الزمن، أدت إلى عطش ليس صيفياً فحسب، بل شتوي أيضاً أصاب الأشجار وأثر في الإنتاج الزراعي.
وبالإضافة لإدارة الموارد المائية يبرز الري “الذكي” الحديث كلاعب له دور كبير في ترشيد استهلاك المياه، وزيادة الإنتاج والنشاط الزراعي.

إدارة المياه وحصادها
وفي هذا الصدد أكد الخبير الزراعي والتنموي ومؤسس مبادرة المشاريع الأسرية السورية التنموية أكرم عفيف أن إدارة المياه أمر مهم للغاية في ظل الشح الشديد للمياه، والتغير المناخي وحالة الجفاف، منوهاً بأن حالة الجفاف التي حصلت الشتاء المنصرم غير مسبوقة منذ عشرات السنين.
وأوضح عفيف في حديث خاص لصحيفة الثورة أن “الاشجار أصابها ما يعرف بالعطش الشتوي في العام الماضي، ولاحظنا أن ثمن هذا العطش والجفاف كان تصحر مساحات من الأراضي كما حصل في منطقة الغاب”، مشدداً على أن الضرورة الملحة اليوم هي لموضوع إدارة المياه، ويأتي خلالها موضوع الانتقال إلى الري الحديث وهو ضروري ومكمل لعملية إدارة المياه.
ولفت عفيف إلى أنه في ظل التغيرات المناخية تبرز ضرورة الانتقال إلى المحاصيل التي لا تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه، مشيرا إلى أن الري الحديث ليس وحده المطلوب، بل يجب إجراء تغيير في أنواع المحاصيل، وخاصة تلك التي تستنزف المياه الجوفية، التي أصبحت في حالة استنزاف كبير، ووصلنا لمرحلة خطيرة، مع ندرة المياه السطحية.
العودة لمصطلح الموارد
وأوضح عفيف أنه يجب العمل بشكل حثيث وسريع على موضوع “حصر الأمطار” وعدم السماح للمياه بالذهاب إلى البحر، وأضاف “بالمختصر يجب العودة إلى مصطلح إدارة الموارد، وبينها موضوع المياه، سواء كان بجمعها أو حصادها، أو استخدام الطرق الحديثة في الري التي توفر كميات كبيرة من المياه من أجل استمرار الأمن الغذائي من جهة، والأمن المائي من جهة أخرى.
من جانبه قال المهندس الزراعي أحمد أحمد لصحيفة الثورة ” تمثل أنظمة الري الحديثة أو ما يعرف بالري “الذكي” تقدماً كبيراً في تكنولوجيا الزراعة، وتستخدم هذه الأنظمة أدوات وتقنيات حديثة لتحسين استخدام المياه وترشيدها، فالمياه من أهم الموارد في الزراعة، ولها دور حيوي في إنتاج المحاصيل واستدامتها، والممارسات الفعّالة في الري ضرورية لزيادة الإنتاج الزراعي وتقليل هدر المياه.
وأشار أحمد إلى أنه تم استخدام طرق الري التقليدية لقرون، كالرش والغمر، شارحاً عيوبها التي تؤدي إلى فقدان كبير للمياه من خلال التبخر والتدفق والتوزيع غير الفعال، وتفاوت مستويات الرطوبة في الحقل، ما يتسبب في زيادة ري بعض المناطق بينما تبقى مناطق أخرى جافة، كما تفتقر الأنظمة التقليدية إلى القدرة على الاستجابة للطقس المتغير، ما يمكن أن يؤدي إلى إجهاد المحاصيل أو تلفها خلال فترات الجفاف أو الأمطار الغزيرة.

ضمان الأمن الغذائي
وأضاف أحمد أنه “تم تصميم أنظمة الري الذكية لتطبيق المياه بدقة حيث ومتى تكون مطلوبة، ما يقلل بشكل كبير من استهلاك المياه الإجمالي، ومن خلال تقليل التبخر والتدفق، تضمن الأنظمة الذكية أن تصل نسبة أكبر من المياه المطبقة إلى النباتات، و يسمح الري الذكي بجمع البيانات في الوقت الحقيقي للمزارعين بمراقبة الظروف وأتمتة الري، ما يعزز الأداء وصحة المحاصيل، وممارسات الزراعة المستدامة من خلال الحفاظ على موارد المياه، وهو أمر حاسم في المناطق التي تواجه ندرة المياه”.
وبين أحمد أن الري بالتنقيط القائم على المستشعرات طريقة ذكية تستخدم مستشعرات لمراقبة مستويات رطوبة التربة وتوصيل المياه مباشرة إلى جذور النباتات، وهذه الدقة تقلل الهدر وتضمن حصول المحاصيل على الترطيب المناسب، بالإضافة لأجهزة التحكم في الري المعتمدة على الطقس، وتستخدم هذه الأنظمة بيانات الطقس الحقيقية لضبط جداول الري، ما يمنع الإفراط في الري خلال فترات الأمطار، لافتاً إلى أهمية أنظمة إدارة الري الآلي، حيث إن بعض الحلول المتقدمة تدمج تقنيات متعددة، مقدمة للمزارعين طريقة شاملة لإدارة المياه، موضحاً أن طرق الري “الذكية” تسهم في توفير ما يصل إلى ٦٠ بالمئة من استهلاك المياه مقارنة بالطرق التقليدية، كما تدعم زيادة الإنتاجية بنسبة تتراوح بين ٢٠ و٣٠ بالمئة وتحسين جودة المحاصيل، وتقليل الاعتماد على المبيدات بسبب انخفاض نسبة الرطوبة الزائدة.
وأكد أحمد أن التحول إلى نظم الري الحديثة يعد ضرورة حتمية لضمان الأمن الغذائي في ظل التغيرات المناخية وشحّ الموارد المائية، ومن المهم تقديم الدعم الفني والمادي للمزارعين لتشجيع تبني هذه التقنيات، وإطلاق حملات توعوية موسعة تشرف عليها وزارة الزراعة.
توفير 60بالمئة من مياه الري
المزارع خالد العبد الله من ريف حلب أوضح لصحيفة الثورة أنه حضر العديد من الندوات الإرشادية تحت عناوين ” فوائد الري الحديث ودوره في الحد من هدر المياه وزيادة الإنتاج “، مشيراً إلى أهمية هذه الندوات في تعريف المزارعين بأهمية ترشيد المياه باتباع طرق الري والزراعة الحديثة، معرباً عن أمله في أن تساهم هذه التقنيات في التغلب على مشكلة ندرة المياه.
وتمر سوريا بمواجهة تحديات مائية ومناخية تعانيها عموم المنطقة، ما يفرض استخدام تقنيات حديثة في الري تكون بمستوى التحديات التي تواجه القطاع الزراعي، وفي عالم الزراعة اليوم، يعد اختيار نظام الري المناسب أمراً حيوياً لزيادة الكفاءة والاستدامة.
