الثورة – رفاه نيوف:
موجة الجفاف التي تمرّ بها سوريا بشكل عام، وطرطوس بشكل خاص هذا الصيف هي من أقسى موجات الجفاف منذ عقود.
وعلى الرغم من أن محافظة طرطوس تعتبر من أولى المحافظات بالهطل المطري، إلا أنها تعاني اليوم من تراجع في مخزون المياه الجوفية والسطحية والآبار والينابيع.
في هذا التحقيق الصحفي نقف عند كيفية مواجهة هذا التراجع الكبير في مصادر المياه، وعند الخطط الآنية والمستقبلية لتلافي النقص الحاصل.
تراجع مخزون السدود
خلال سنوات خلت، ورغم توفر مصادر المياه، إلا أن قرى مناطق القدموس والشيخ بدر وصافيتا عانت من العطش.. صحيفة الثورة نشرت العديد من التحقيقات الصحفية حول القرى العطشى وضرورة إيصال المياه إليها، لكن بقيت هذه القرى في قائمة القرى العطشى حتى اليوم.
ومع تراجع مصادر المياه، نتيجة انحباس الأمطار خلال الشتاء المنصرم، وارتفاع أسعار المشتقات النفطية وأجور النقل، تضاعفت معاناة سكان القرى العطشى، نتيجة شرائهم صهاريج المياه التي أثقلت كاهلهم، ولم يعودوا قادرين على الاستمرار بهذه الحال، لذلك بدأت تتعالى مناشدات سكان القرى الجبلية لتوفير مياه الشرب، وتخفيف المعاناة عنهم، في ظل الارتفاع الكبير بدرجات الحرارة، وتنامي الطلب على المياه.
مدير الموارد المائية بطرطوس، المهندس محمد محرز أكد تراجع مخزون السدود نتيجة تأثير انخفاض الهطلات المطرية السلبي على غزارة الأنهار، إذ تراجع تخزين سدّ الأبرش إلى 17 بالمئة من سعته الطبيعية، مقارنة بـ 64 بالمئة لنفس الفترة من العام الماضي، علماً أنه يُعدّ من أكبر السدود في المحافظة.
وكذلك تراجع تخزين سدّ خليفة إلى 53 بالمئة من سعته الطبيعية، مقارنة بـ 87 بالمئة لنفس الفترة من العام الماضي.
أيضا تراجع تخزين سدّ الصوراني إلى نسبة 90 بالمئة، مقارنة بـ 100 بالمئة في العام الماضي.
وتراجع تخزين سدّ دريكيش إلى 42 بالمئة من سعته الطبيعية، مقارنة بـ 78 بالمئة لنفس الفترة من العام الماضي.
أما سدّ تل حوش فتراجع تخزينه إلى 2 بالمئة فقط، مقارنة بـ 17 بالمئة في العام الماضي.
مرحلة الخطر
في الإجابة على سؤالنا عما إذا كنا قد وصلنا إلى مرحلة الخطر؟
أجاب م. محرز: “نعم وصلنا إلى مرحلة الخطر، وذلك نتيجة انخفاض معدلات هطل الأمطار خلال العام الماضي إلى نسبة 60 بالمئة من المعدلات الطبيعية، إذ يُعد الهاطل المطري المصدر الأساسي للمياه الجوفية والسطحية في المنطقة الساحلية بشكل عام، وقد انعكس هذا الانخفاض سلباً على غزارة الينابيع والأنهار، إضافة إلى تراجع المياه الجوفية المختزنة لهذا العام”.
وبالنسبة لخطة السقاية وسط هذا الواقع الصعب، بيّن محرز أنه تم إطلاق المياه بعد اجتماع الجهات المعنية (مديرية الزراعة، مديرية الموارد المائية، اتحاد الفلاحين)، إذ أُقرّت خطة سقاية للعام الحالي تتناسب مع الكميات المخزنة في السدود، وذلك بعد مصادقة محافظ طرطوس عليها.
وتولت مديرية الموارد المائية، بالتعاون مع اتحاد الفلاحين، تنفيذ هذه الخطة، وتمكّنا من الوصول حالياً إلى نهاية الموسم الزراعي تقريباً بأقل الخسائر الممكنة، وإنقاذ الموسم بشكل مقبول.
صعوبات
وأوضح م.محرز أن الصعوبات التي واجهت العمل تمثلت في قلة المياه المخزنة بالسدود، ووقوع بعض التعديات من قبل مزارعين على شبكة الري، ما تطلب جهداً إضافياً من الورشات الفنية وورشات الصيانة لإصلاح الأضرار، وضمان الاستمرار بتنفيذ الخطة بكفاءة ووفق المقرر.
وبين أنه تم رصد حالات جفاف لبعض آبار الإخوة المزارعين في بعض المناطق، إلى جانب تراجع غزارة العديد من الآبار الأخرى.
وبلغ عدد الآبار الارتوازية المرخصة لدى مديرية الموارد المائية نحو 11,325 بئراً، في حين بلغ عدد الآبار غير المرخصة 6,071 بئراً موزعة على كامل مساحة المحافظة، إضافة إلى آبار مشروع الـ 2,200 هكتار البالغ عددها 92 بئراً.
وأكد م.محرز أن المديرية وضعت خطة إسعافية لمواجهة الجفاف، منها تكثيف أعمال الصيانة وتعزيل شبكات الري للتخفيف قدر الإمكان من الهدر، وإصلاح الأعطال فور حدوثها، والاهتمام بالآبار العربية والحفائر المائية وتعزيلها بشكل مستمر لتحسين عطائها المائي، إضافة لخطة بعيدة المدى تتمثل بزيادة مشاريع حصاد المياه (سدود، سدات، رامات، خزانات بيتونية)، تحديث شبكات الري المكشوفة وتحويلها إلى شبكات مطمورة تدعم استخدام تقنيات الري الحديث، وحفر آبار داعمة في نهايات شبكات الري، إضافة لدعم التحول إلى أنظمة الري الحديث.
مياه الشرب
مدير مياه طرطوس، المهندس عبد الله الحمود، أكد أن مصادر مياه الشرب، من آبار وينابيع، تأثرت بانخفاض منسوب المياه وغزارتها، وقد تم التعامل مع هذا الوضع بشكل مباشر من خلال تعميق تنزيل الغواطس فيها، وذلك لتعويض النقص الحاصل في الغزارة.
وبالنسبة للينابيع بشكل عام، انخفضت غزارتها، فبعضها كان تمدناً بكميات مياه أكبر من الحاجة المطلوبة، مثل نبع الشماميس، الذي أصبح الآن يزودنا بالحد الأدنى الذي يضمن الأمن المائي للمناطق التي يرويها.
وأشار م. الحمود إلى أنه خلال الفترة القادمة سيتم التدخل لأعمال صيانة الغواطس العاملة في بعض الينابيع، بالإضافة إلى تعزيل بعضها الآخر لتحسينها كمصدر مائي.
وبيّن أن وضع نهر السن مستقر حالياً، ويتم التواصل بشكل مباشر مع الموارد المائية، وحصة محافظة طرطوس من المياه يتم الحصول عليها بناءً على الاجتماع الأخير الذي تم تحديده بين طرطوس واللاذقية.
ولفت م. الحمود إلى انخفاض غزارة المياه التي يتم ضخها حالياً من نهر السن إلى 0.5 متر مكعب في الثانية، بينما كانت سابقاً 0.7 متر مكعب في الثانية، وأدى هذا الانخفاض إلى عدم وصول مياه نهر السن إلى مدينة طرطوس في الوقت الحالي، ويتم الاكتفاء بتغذية المناطق الريفية من بانياس وصولاً إلى ريف طرطوس القريب.
تلافي النقص
وضعت مؤسسة المياه خطة للتعامل مع نقص المياه الحالي، كما بين م. الحمود، من خلال حفر عشر آبار جديدة، لتعويض النقص الحاصل في الينابيع ونهر السن، وهذه الآبار جاهزة ومجربة، وتحتاج فقط إلى التجهيزات.
وتم تسويق هذا المشروع مع الشركاء من المنظمات والجمعيات المحلية العاملة، وعملنا على إدراج المشروع في الخطة الاستثمارية التي ستعلن عنها الوزارة قريباً، تمهيداً لتنفيذه.