الثورة – يمن سليمان عباس:
إذا كانت ثمة جنة على الأرض، فهي الشام، كما يقول الرحالة العرب والمستشرقون الغربيون الذين زاروها.
وهي التي هام بها الشعراء وفيها كانت أروع القصائد، ولا نعرف مدينة في العالم قيل في جمالها الشعر كما دمشق.
غوطتاها وأحياؤها وزواريبها.. أزقتها مشيداتها الخالدة نسيجها العمراني المتميز وغير ذلك.. هو موضوع الكتاب المهم الذي حمل عنوان: “جنات دمشق” تأليف الدكتورة ناديا خوست، وقد صدر عن اتحاد الكتاب العرب في دمشق.
والدكتورة خوست حارسة الجمال والتراث الدمشقي، كرست جل إبداعها المتميز بدمشق وحضارتها توثيقاً وصيانة والدفاع عنها بوجه الزحف الوحشي لغابات الإسمنت التي التهمت كل شيء.
الكتاب توثيق مهم بالكلمة والصورة للكثير من معالم دمشق العمرانية المتميزة.. تروي قصص العمل من أجل الحفاظ عليها .
تقول خوست في مقدمة الكتاب:
جنات دمشق
حلم العرب بالجنة، لكنهم خلقوها على الأرض وعمرها من الطين والقش على قشرة هشة تترنح من الزلازل، وتسبح فوق المياه. بين صورة البيوت في فسيفساء الجامع الأموي، وبين البيوت التي فتحنا عيوننا عليها الف سنة وأكثر من نصف الألف . صيغت فيها هسهسة البحرات وأقواس الليوان، واستبدل فيها الموزاييك فأصبح في أرض الدار رسوما من الحجر الأبيض والأسود والوردي، وتوجت فيها المطلقات والمداخل بالزخارف والياسمين.
ومع ذلك انتقلنا من زمن المعماري الفنان والأحياء التي تصاغ تفاصيلها في اتقان إلى زمن المكاتب والبلديات التي ترسم مدناً معزولة عن التراث المعماري والحاجات الوطنية والمناخ.
كان الجني في الحكايا يشيد قصراً أمام بيت المحبوبة، يبدع فيه الحدائق والزخارف فيختصر في ليلة السنوات التي يصرفها شبابنا بالعمل في المغتربات ليجمع ثمن مأوى، لكن المخطط التنظيمي الحديث لم يفكر بجنة مرغوبة او فتاة بل رسم مكعبات تنشر سطوحها للشمس فنشوي بها الليل. وتحرم المدينة بشوارعها الملتهبة من تقاليد المشي حتى في العشيات.
لذلك تثير المدينة العربية شجونا لا تثيرها للغربي مدينته القديمة. فلسنا سادة العالم المعاصر بل أسواقه ومستهلكوه. وليست علاقتنا بثمار الحضارة العربية التي صاغت دمشق وغرناطة وبغداد والقدس وبيروت وتونس وفاس والرباط والقاهرة أكثر عمقاً من علاقتنا بالطراز السوقي العالمي بالرغم من حديثنا عن الأموي والمسجد الأقصى والقلاع والخانقات والأضرحة.
كان الأتراك العثمانيون آخر من حكم العرب قبل تقسيم بلاد الشام، وكانوا بما شيدوه أبناء العمارة العربية الإسلامية حتى في محطات السكك الحديدية ذات التوظيف الحديث، لكن تلك الأزمة انتهت باجتياح قوة غريبة عن المنطقة بالفكر والروح والمشروع. وبالرغم من دراسة الفاتحين المعاصر ين المدينة العربية اقتحمت مشاريع التغريب المدن العربية في المشرق كحاجات معاصرة وكانبهار الضعيف بالقوي وكتلاؤم مع نمط جديد في الحياة، لا بد إذاً أن نبدو في هذا المقطع من الزمن كمن أسلم ظهراً ومات عصراً، أو كالغراب الذي يقلد مشية العصفور. يقع الكتاب في أكثر من ٢٣٠ صفحة
مزين بالوثائق المهمة.
شكراً للدكتور ناديا خوست على هذا الكتاب المهم والشكر لاتحاد العرب الذي أتاحه ليكون بين أيادي القراء وثيقة تاريخية ودراسة جمالية مهمة تدعونا للحفاظ على إرث وجمال أنقى بقاع الأرض.