لم يكن المشروع الصهيوني الذي استهدف المنطقة منذ أكثر من مائة عام بهذا الوضوح والوقاحة كما هو اليوم ولعله من إيجابيات طوفان الأقصى أنه كشف المستور في هذا المجال، ورب قائل يقول أن الخطاب العربي كان يحذر من ذلك منذ أن بدأ المشروع يرخي بحباله على الأرض العربية ولاسيما في فلسطين وهذا صحيح ولكن قادة الصهاينة وسياسييهم لم يكونوا يشيروا أو يتحدثوا بشكل علني وسافر عن ذلك لا بل أن خطابهم وسرديتهم تركزت حول فكرة العودة إلى أرض الميعاد وفق الرواية التوراتية مع أن شعار حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل كان قد تردد في الأدبيات السياسية بشكل مستمر.
ومع أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ إنشاء ذلك الكيان إلى ما بعد نكسة حزيران سنة 1967 كانت تركز على مقولة الاعتراف العربي بحدود إسرائيل بعد حرب 1948 والتي ضمت بعض الأراضي المخصصة للفلسطينيين في قرار التقسيم رقم 181 لعام 1947 إلا أن الخطاب الصهيوني بعد عقد اتفاقية كامب ديفيد والصلح المصري الإسرائيلي عام 1979 بدأ يتنكر لفكرة الانسحاب من الأراضي التي احتلت في حرب حزيران، فبدل الحديث عن الأرض مقابل السلام بات الحديث عن سلام مقابل السلام وترافق ذلك مع حركة استيطان وقضم للأراضي المحتلة وبناء للمستعمرات وتهويد غير مسبوق ولاسيما بعد تغلغل التيار الديني المتطرف في مفاصل الحياة السياسية في بنية الكيان و مؤسساته وهو الذي كان على هامش الحياة السياسية حتى منتصف السبعينات من القرن الماضي.
ومع اغتيال رئيس وزراء الكيان الصهيوني اسحق رابين عام 1994 على خلفية توقيعه لاتفاقية أوسلو مع ياسر عرفات والذي اعتبر اغتيالاً للإتفاقية وموتاً لها وهذا ما حصل فعلاً، حيث لم تف كل الحكومات التي تناوبت على الحكم في إسرائيل بما اتفق عليه ولاسيما قيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة وتحولت المسألة إلى إدارة ذاتية أو حكم ذاتي تحت مسمى سلطة فلسطينية ولكنها تحت الاحتلال مع تصاعد غير مسبوق لإقامة المستوطنات وحركة تهويد غير مسبوقة واعتداءات على المسجد الأقصى والأماكن المقدسة في القدس مع دعوات لهدم المسجد الأقصى وانتهاك لكل أثر غير يهودي فيها، ولاسيما بعد التحالف الذي نشأ بين التيارين القومي المتطرف الذي يمثله نتنياهو والتيار الديني الذي يمثله بن غفير وسموتريتش حيث تصاعد الحديث عما سمي الدولة اليهودية من النهر إلى البحر وأن الأردن هو الوطن البديل.
لقد كشفت معركة طوفان الأقصى التي شكلت ضربة قاصمة للكيان الصهيوني وعرته أمام العالم وكشفت كل ما في مخبئه من مشاريع توسعية لذلك الكيان وأطماع في الأراضي العربية وتعطش للدم الفلسطيني وكل دم مقاوم وتنكر لكل حقوق للشعب الفلسطيني أقرتها الشرعية الدولية في سلسلة قرارات صادرة عن الجمعية العامة ومجلس الأمن إلى درجة أن رئيس وزراء ذلك الكيان نتنياهو تحدث علناً بعد اغتيال الأمين العام لحزب الله وبعض قادة المقاومة وبعد النجاحات التي حققتها أجهزة استخباراته وجيش الاغتيال والاحتيال في غزة وغيرها، وأمام تلك النشوة الزائفة عن أن إسرائيل سوف تحدث تغيرًا استراتيجياً في خريطة الشرق الأوسط في إعادة لما جرى الحديث عنه قبل عقدين من الزمن على لسان كونداليزا رايس بعد غزو العراق وأفغانستان تحت مسمى فوضى خلاقة وشرق أوسط جديد، ولكن هذه المرة بمسمى آخر وهو الاتحاد الإبراهيمي مع تقسيم لدول المنطقة بين النور والظلام والخير والشر، وهو ما أشار إليه وعبر خريطة ملونة بالأخضر والأسود بنيامين نتنياهو من أقل من شهر ليكشف حجم التكامل والتماهي بين المشروع الصهيوني التوسعي الإحلالي في المنطقة والمشروع الأميركي للهيمنة على المنطقة ونهب ثرواتها بل وتغيير هويتها وتاريخها وثقافتها وجغرافيتها من عربية إسلامية، إلى صهينة وأمركة ولتكون الحرب على غزة ولبنان بداية وذريعة لذلك ولعل ما يدعم هذا التصور هو حجم الحضور الأميركي في المنطقة من خلال حاملات الطائرات والسفن الحربية والغواصات النووية والحشد العسكري الهائل في المنطقة وما ترافقه من تهديدات فهل من عاقل يعتقد أن كل ذلك الحشد هو من أجل غزة وجنوب لبنان أم أن المسألة أكبر من ذلك بكثير … فلننتظر ؟