دمشق – الثورة – وفاء فرج:
آراء كثيرة تتفق على أن الإغلاق عقوبة يفرضها القانون، إلا أن المتضرر الأكبر في كثير من الحالات هو المستهلك، كما هو الحال في إغلاق المخبز، فالمستفيدون منه هم المتضررون.. وبالتالي يرون أن الغرامة أجدى من الإغلاق، فكيف ترى غرفة تجارة دمشق هذا الأمر كممثل عن الفعاليات التجارية؟!!
عضو غرفة تجارة دمشق محمد الحلاق يرى أن القضية ليست أيهما أفضل، وإنما يجب أن يكون الأمر موضوعياً، بحيث تكون الأسواق خالية من المخالفات أولاً، وذلك عن طريق معرفة أسباب المخالفات والظروف التي تؤدي إلى المخالفة، وإن كانت تستوجب الإغلاق أو الغرامة أو الحبس خاصة أن الجميع يعلم أن هناك مخالفات لا أحد يقبل بأي شكل من الأشكال التنازل عن الحق فيها، كالغش والتدليس والتزوير وسرقة العلامات الفارقة التجارية.
التدرج في المخالفات
ويتابع: إن جميع هذه المخالفات لا أحد يقبل أن يتنازل عن حقه فيها، وقطاع الأعمال مع الغرامات وفرض عقوبة السجن في بعض الأحيان عليها، إلا أنه في بعض الأحيان قد يحدث لسبب وظرف معين أن يكون هناك مخالفة من المخالفات، إلا أن السبب لا يكون هو ارتكاب مخالفة، ولذلك نحن دائماً نقول التدرج في المخالفات هو الأفضل، بمعنى حتى لو كانت المخالفة فيها غش أو تزوير نقوم في أول مرة مثلاً، بتوجيه إنذار والمرة الثانية إغلاق والثالثة غرامة والرابعة السجن، بغض النظر إذا كان التكرار مقصوداً، لأن القضية ليست أيهما أجدى أو أفضل بالنسبة للمستهلك أو لممارس الفعالية.
وأشار إلى أن ما يحدث في كثير من الأحيان أننا نريد تطبيق أحسن معايير بأقل الظروف، لكن يجب وضع معايير تتناسب مع الظروف الخاصة التي نعمل فيها.
تشديد العقوبة يرفع معدل الفساد
ويرى الحلاق أن واقع الأسواق جيد ولا يخلو من بعض الإساءات أو بعض الممارسات السلبية، إلا أن ذلك لا يعني أنه كلما شاهدنا خطأ أو ممارسة سلبية نذهب باتجاه تشديد العقوبات، مؤكداً أنه كلما شددنا في العقوبات أكثر كلما ألزمنا أنفسنا ببيئة غير قابلة للتحقيق ورفعنا، وللأسف من معدل الفساد، وبالتالي تصبح هذه الغرامات وسواها هي عبارة عن أبواب كبيرة من الفساد، مشيراً إلى كيفية تحقيق المعادلة بين الطرفين وإنجاحها بطريقة سهلة من خلال جلوس أصحاب القرار مع أصحاب المصالح بحيث يقومون بدراسة المتطلبات الواجب تحقيقها، وبنفس الوقت، الاستماع الى آراء المستهلكين والذين هم بالأخير المعول الأهم التي تعمل الحكومة وقطاع الأعمال من أجلهم، والقيام بوضع كل المعطيات على الطاولة وتبيان إمكانية الإصلاح.
المرسوم 8
وأوضح الحلاق أنه منذ صدور المرسوم رقم 8 لعام 2021 لحماية المستهلك، تم تقديم مذكرة من مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق بضرورة مراجعة بعض النقاط ولاسيما أنهم لم يطلعوا على مواد المرسوم قبل إصداره، فكثير منها يحتاج لظروف مثالية مختلفة عما يمر فيه اليوم قطاع الأعمال من صعوبات على صعيد الإنتاج وآلية العمل ضمن الأسواق، بالتوازي مع الوضع الاقتصادي الصعب.
أفضلية العقوبة
ويرى الخبير الاقتصادي الدكتور فادي عياش أن أفضلية العقوبة تتعلق بقدرة العقوبة على الردع ومنع المخالفة أولاً.. وقدرتها على حماية المواطن ثانياً.. ومدى قدرتها على منع تكرار المخالفة من قبل المخالف، وتخفيف أثرها على المواطن.. ثالثاً.
وبالتالي يجب أن تكون العقوبة قوية بما يكفي لمنع المخالفة أولاً.. وضمان عدم تكرارها ثانياً.. وضمان حقوق المواطن وحمايته ثالثاً.. وذلك بغض النظر عن طبيعة العقوبة.
وعي بالقوانين
وقال د.عياش: إن ذلك يتطلب وعياً وإداركاً تاماً بالأنظمة والقوانين من جهة، وبالحقوق والواجبات وثقافة الشكوى من جهة ثانية.. وذلك لدى طرفي القضية، ومن ثم نحتاج لمنظومة قانونية عادلة وعمومية مع قدرة على تطبيقها وامتلاك أدواتها بالشكل الأمثل لمنع الاستغلال والغبن من قبل المنفذين لها وتحقيق الإنصاف والعدالة بحق الخاضعين لها.
الجسيمة تستلزم التشدد
وكإجابة مباشرة.. بين الدكتور عياش أن كل ما يتعلق بالأخطاء والمخالفات الجسيمة والتي يمكن أن تؤثر بشكل بالغ على المستهلك، يجب التشدد بل والمبالغة في التشدد في العقوبة من السجن وإلغاء الترخيص ومصادرة الأصول موضوع المخالفة والتشغيل على نفقة المخالف.
وأوضح أن المخالفات غير الجسيمة والتي لا تسبب ضرراً مادياً وجسدياً للمستهلك، فيمكن التشدد في العقوبة المادية لتكون مؤلمة ورادعة كالغرامات المالية، موضحاً أنه في كلتا الحالتين لا يُفضل اللجوء إلى عقوبة الإغلاق بشكل مجرد، ولاسيما في المصالح التي ترتبط بالحاجات الأساسية للمواطن كالتعليم والصحة والأفران ومحطات الوقود وما شابه.. فالاكتفاء بالإغلاق حتى مع الغرامة المالية هي عقوبات غير رادعة بل نجد هذه المخالفات تتكرر ولنفس المخالف.
ويبدو أن نفعه من المخالفة يفوق خسارته من جراء الإغلاق والغرامة، ومن جانب آخر يدفع المواطن ثمن حرمانه من السلعة أو الخدمة نتيجة الإغلاق.
الحل الأنسب
وقال الدكتور عياش: إن الحل الأنسب هو المصادرة المؤقتة عوضاً عن مجرد الإغلاق، والتشغيل على حساب المخالف خلال فترة العقوبة.. والعائد يعود للخزينة.. مع التشدد في الغرامة المالية، بحيث يكون وقع العقوبة على المخالف أكبر بشكل مؤثر من المنافع التي حققها نتيجة المخالفة، وبما يضمن عدم تكرار المخالفة، ويُشكل رادعاً قوياً للآخرين لعدم المخالفة، وبنفس الوقت يستمر تأمين السلع والخدمات للمواطنين.
وبين الدكتور عياش أننا نحتاج لعقوبتي الإغلاق والغرامة معاً، ولكن بتطبيق عادل، وبتدرج حسب مستوى المخالفة وتأثيرها على المواطنين، وصولاً إلى السجن وإلغاء الترخيص والمصادرة للمخالفات الجسيمة التي تشكل خطراً على حياة الناس، وكذلك عند تكرار المخالفة، مؤكداً أهمية وضوح القوانين المتعلقة بذلك وحسن وعدالة تطبيقها وعدم السماح للتجاوزات أو التعسف أو الاستثناء في ذلك.