نضال بركات
باتت مجموعة بريكس تشكل تهديداً حقيقياً# للأحادية القطبية بزعامة الولايات المتحدة, وقمة بريكس التي عقدت في مدينة قازان الروسية شكلت تحولا كبيراً لدول الجنوب العالمي في وجه الهيمنة الغربية لنهاية عصر الدولار وعززت تحالفاً سياسياً واقتصادياً جديداً خاصة وأن الدول الأعضاء في المجموعة تبلغ 37% من الاقتصاد العالمي، أي أكثر من مجموعة السبع التي تبلغ 29%. وهذا ما يمهد بدولها الأعضاء العشر من المؤسسين والأعضاء الجدد لمواجهة التكتلات الاقتصادية الغربية كمجموعة الـ G20 ومجموعة الـ G7, للقضاء على عصر الدولار.
لقد شارك في قمة قازان 36 دولة منها 22 على مستوى الرؤساء وستة من قيادات لمنظمات دولية وجمعت أعضاء دول البريكس والبريكس بلاس, وبعض المنضمين المحتملين, وآخرين بصفة مراقبين, وبالتالي فإن الرئاسة الروسية أكدت خلال القمة على ضرورة تعزيز التعاون الاقتصادي العادل, إضافة إلى مناقشة إنشاء منصة مدفوعات رقمية خاصة بدول البريكس, وإنشاء صندوق استثمار مشترك, كخطوة للتحول الحقيقي, بعدما بدأت بريكس بتبادل التجارة البينية بالعملات المحلية لكل دولة, وهذا ما أكده الرئيس بوتين خلال القمة بأن تمويل بنك البريكس “واعد للغاية”, وبأن زيادة المدفوعات بالعملات الوطنية لدول المجموعة “ستقلل من المخاطر الجيوسياسية”, وتم خلال القمة التركيز على هذا البنك الذي يهدف إلى توفير التمويل والاستثمارات لمختلف مجالات التنمية الحيوية، مثل البنية التحتية والخدمات الاجتماعية والعلوم والرعاية الصحية، كما تعمل المؤسسة المالية التابعة لمجموعة دول بريكس كمنصة للتعاون الدولي، حيث تساهم من خلال نشاطها على تعزيز مصالح دول بريكس على المسرح الدولي, وهذا ما يعد بداية لعملية زحزحة والإطاحة بصندوق النقد الدولي ولهيمنة الدولار, ويطيح أيضاً بخطر العقوبات الغربية.
وقد أشادت رئيسة بنك التنمية الجديد التابع لـ”بريكس” ديلما روسيف، بما تم اتخاذه في قمة قازان نظرا لحاجة دول الجنوب العالمي إلى التمويل والتنمية, وأكدت أن البنك يساعد على جذب الاستثمارات في قطاع الصناعة التي تهم أعضاء المجموعة ,وشددت على أن إنشاء المؤسسة المالية الجديدة، وإبرام اتفاق بشأن إنشاء مجموعة من احتياطيات النقد الأجنبي الطارئة لدول مجموعة بريكس، يوفر إمكانية إنشاء الأدوات واتخاذ القرارات اللازمة لتنفيذ المشاريع والمبادرات بين دول الأعضاء في مجموعة بريكس والدول الشريكة.
إن الدول الأعضاء في البريكس لديها الأمل في التخلص من عصر هيمنة الدولار , وهي تسعى إلى اعتماد عملة موحدة في التجارة البينية والدولية ضمن محاولات معلنة أو خفية لتفكيك واحد من أهم أدوات هيمنة الولايات المتحدة على الاقتصاد العالمي والسياسة العالمية.
وتنطلق فكرة التخلي عن الدولار من خلفية أن الولايات المتحدة تستخدم عملتها كأداة لممارسة الضغط السياسي وحمل الدول على الانصياع لمصالحها وتوجهاتها, وبهذا الخصوص، قال ألكسندر بانكين نائب وزير الخارجية الروسي أن العمل جارٍ للتحرك نحو عملة موحدة للاستخدام في إطار البريكس، لكن هذه العملية تواجه بعض التعقيدات بسبب التشريعات، فكل دولة لديها حيثياتها الوطنية الخاصة في هذا الشأن.
صحيح إن مجموعة بريكس أعطت الأمل للكثير من الدول النامية للتخلص من الهيمنة الغربية والتحكم باقتصاداتها , ولكننا في الوقت ذاته علينا أن لا نقلل من قوة الولايات المتحدة الاقتصادية ونفوذها في الكثير من بقاع العالم , فواشنطن تنظر إلى “بريكس” بوصفها تهديدا، وتحاول إغراق هذه المنظمة وتقسيمها، فيما ينظر معارضوها إلى “بريكس” بوصفها الأمل في تحرير العالم من الهيمنة الأمريكية ، وبالتالي فإن المنظمة تشكل تهديدا حقيقيا للولايات المتحدة، نظرا لأن الاقتصاد، ودور الدولار في العالم، يعتمد إلى حد كبير على فكرة غالبية الناس حول قوة الولايات المتحدة, وإظهار عدد كبير من الدول الراغبة في الابتعاد عن أمريكا إلى مكان آخر والتخلص من هيمنة الدولار , وهذا ما يعد الخطر الحقيقي من قبل مجموعة البريكس التي تنظر إليها الدول النامية على أنها الأمل في التخلص من الهيمنة الأمريكية إلى عالم آخر يكون أكثر عدلاً وأمناً من الفوضى التي تتسبب فيها الولايات المتحدة.