يبدو للإسرائيليين عسكريين وسياسيين أن زمن الحروب الخاطفة مع العرب والفلسطينيين قد ولى وأن الذراع القوية التي طالما تحدث وتبجح بها القادة الصهاينة لم تعد الوحيدة فثمة أذرع طويلة أخرى تضرب عمق الكيان من اليمن والعراق وإيران وغيرها، إضافة إلى حروب ومعارك مفتوحة المساحة والزمن فالجيش الإسرائيلي الذي اعتاد الحروب الخاطفة بات اليوم يخوض حروباً طويلة ومفتوحة ومتعددة الجبهات وهو الذي اعتاد الاستفراد في جبهة واحدة أو على الأكثر جبهتين سرعان ما يركز على واحدة منها ليستفرد بالأخرى كما فعل في حرب تشرين عام 1973 بتركيز جهده على الجبهة السورية بكامل ثقل قواته ليتجه بعد ذلك نحو الجبهة المصرية ويحقق الاختراق عبر ثغرة الدفرسوار ويركز جهده القتال عليها.
لقد شكلت معركة طوفان الأقصى تحولات استراتيجية في ما يسمى قواعد الاشتباك مع العدو الصهيوني فلأول مرة منذ استزراع ذلك الجيب الاستيطاني يخوض حرباً ومعارك على عدة جبهات يعرفها هو ويحددها بأنها سبع جبهات وأنها حرب طويلة لا يستطيع حسمها بأيام أو أسابيع كما تعود في حروب ومعارك سابقة ما يعني بالنسبة للكيان حالة استنزاف عسكري واقتصادي ونفسي في مجتمع استيطاني محدود الجغرافية والسكان والموارد ولا يمكنه أن يستمر في هكذا صراع دونما دعم وشراكة خارجية توفرها له الولايات المتحدة الأميركية والغرب، ما يعني انكشاف حقيقة أنه غير قادر على حماية المصالح الأميركية في المنطقة وأمنها وإنما هو بحاجة إلى حماية ما يجعله مكشوفاً وعلى درجة من الضعف بحيث أن من فكر أو يفكر بالتحالف الأمني معه من دول المنطقة يعيد النظر بحساباته، لا سيما وأنه تحول من مدافع عن المصالح الغربية وتحديداً الأميركية إلى عبء عليها وعلى دافع الضرائب الأميركي ما يوفر فرصة أمام العرب للاشتغال على هذه النقطة والاستثمار فيها لتخفيف مستوى الدعم والاحتضان الأميركي لذلك الكيان انطلاقاً من تراجع الدور الوظيفي له أمام تشكل موازين قوى جديدة في المنطقة والعالم لا تنسجم وتتفق مع مصالحه.
إن حالة القتل والإجرام والعنف التي يمارسها العدو لا يمكنها أن تحسم الصراع القائم والممتد مهما بدت سوداوية المشهد والقراءة عند البعض ويمكن تفسير هذه الحالة الجنونية والهستيريا السياسية والإعلامية التي ترافقها بعامل الخوف الذي يعيشه العدو ومستوطنوه فالخوف يدفع لممارسة العنف عند العدو لجهة القضاء على مصادره ومنابعه وهي المقاومة في ساحاتها السبع وفق تعريف العدو على لسان نتنياهو ووزير دفاعه ومع الفشل في القضاء على مصادر الخوف والقناعة بذلك لدى قادة الكيان من خلال استمرار وتنامي الفعل المقاوم على كل الجبهات والساحات سيصاب العدو بالعجز وعدم اليقين بالانتصار ما سيجعله يولي الأدبار ويعترف بالهزيمة ويبحث عن مخارج تنقذه من ورطته تلك عبر التدخل الخارجي ليس بالقوة العسكرية حتماً ولكن بالحديث عن حلول سياسية ووقف لإطلاق النار أو فرض لها عبر المنظمات الدولية ولاسيما مجلس الأمن أملاً في إنقاذه من هزيمة محققة وانتصار للمقاومة التي أدركت أنها وإن لم تكن قادرة على وقف العدوان ولكنها استطاعت عبر تضحياتها وصبرها ومقاومتها أن تجعله مكلفاً للعدو بشرياً ومادياً ونفسياً لدرجة وصوله للعجز الكامل عن الاستمرار بعدوانه وحربه وتكيفه مع الفشل.