الثورة – دمشق – ميساء العلي
خلال اجتماع المجلس الأعلى للاستثمار برزت عدد من النقاط الجوهرية والتفاؤلية وفي مقدمتها حجم الاستثمارات في، لتسجل قيمة المشاريع الاستثمارية المشملة في العام الحالي ما يقارب 62 ألف مليار ليرة وهي أكبر من قيمة الموزانة للعام 2025.
وأكد رئيس الحكومة محمد غازي الجلالي على الوزراء أن يؤمنوا بأهمية “المبادرة” لتطوير إمكانات وزاراتهم وعدم الاستسلام لتسيير واقع العمل، وهناك تجارب ناجحة على مستوى كافة القطاعات في دول مشابهة لوضع بلدنا اقتصادياً واجتماعياً وإدارياً، ومن الضرورة بمكان “التوقف عند هذه الدروس والتجارب الناجحة، وهذا يعني أن الملف الاستثماري أمام مرحلة جديدة فما هي التحديات؟.
وضمن ذات الرؤية، تحدث الخبير الاقتصادي الدكتور فادي عياش ل”الثورة” قائلاً: نأمل أن تحافظ الحكومة على نهجها المعتمد على الواقعية حتى لا تقع تحت وهم الأرقام المجردة، وإذ نقول ذلك حرصاً على دورنا كخبراء ومختصين في تقديم المشورة لاكتمال الصورة بواقعية وموضوعية، تساعد الحكومة على تحديد القاعدة الصفرية الدقيقة لمواجهة التحديات الكبيرة التي تواجهها.
مؤشر
واعتبر أن أكثر المؤشرات التي تعبر عن حالة الاقتصاد هو مؤشر الناتج الإجمالي المحلي GDP، فهو أحد أهم معايير تقييم الأداء الاقتصادي، ومن خلاله يمكن التقييم العلمي والموضوعي لحالة الاستثمار الفعلية، حيث يؤثر مستوى ﺍﻻستثمار على ﺍﻟﻨﺸﺎﻁ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ﻭﺍﻟﻨﻤﻭ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ﻓﻲ الأمد الطويل، ﻭﻟﺘﺤﻘﻴﻕ النمو الاﻗﺘﺼﺎﺩﻱ نحتاج إلى استثمارات مناسبة تشكل نسبة ﻋﺎﻟﻴﺔ ﻤﻥ الناتج ﺍﻟﻤﺤﻠﻲ ﺍﻹجمالي، باعتبار ﺃﻥ ﺍﻹنفاق ﺍﻻستثماري هو ﺃحد المكونات الرئيسة للناتج المحلي الإجمالي.
احتساب الناتج المحلي
وعرف الناتج المحلي الإجماليGDP، على أنه قيمة جميع السلع والخدمات النهائية داخل دولة ما خلال فترة زمنية محددة، وهو يعكس الحالة الاقتصادية للدولة عبر تقدير حجم الاقتصاد ومعدل النمو فيها، ويمكن احتساب الناتج المحلي الإجمالي بعدة طرق منهجية باستخدام المصروفات أو الإنتاج أو الدخل، ويمكن أيضاً تعديله وفقاً لمعدلات التضخم وعدد السكان وعوامل أخرى لتوفير صورة أشمل.
وأكد أنه أداة رئيسية لمساعدة صناع القرار والمستثمرين والشركات في اعتماد الاستراتيجيات المدروسة، ووفق منهجية المصروفات والتي تقوم على احتساب كل مشتريات المجموعات الرئيسية التي تشارك في الاقتصاد.
وحول آلية احتساب الناتج المحلي الإجمالي GDP أشار إلى أن الناتج المحلي الإجمالي=نفقات المستهلكين+ الإنفاق الحكومي + إجمالي الاستثمار + صافي الصادرات، وأما مكونات منهجية المصروفات في احتساب الناتج المحلي الإجمالي تتمثل في الإنفاق الاستهلاكي، والإنفاق الحكومي، وإجمالي الاستثمار، والتجارة الخارجية.
ثقة المستهلك مؤشر على النمو
وبحسب الدكتور عياش عند دراسة هذه المكونات، يتضح لنا أن الثقة في استقرار الدخل تدفع المستهلكين إلى إنفاق المزيد من الأموال، ويقل الإنفاق عندما يكون هناك حالة من عدم اليقين بشأن المستقبل الاقتصادي، لذلك، تعد ثقة المستهلك مؤشراً قوياً على النمو الاقتصادي وتحاول الحكومة مراعاة ذلك من خلال اعتبارها أن الإنفاق الجاري هو إنفاق إيجابي بساعد في زيادة اللستهلاك وتحريك الطلب.
دفع عجلة الإنتاج
ويتابع: بما أن الإنفاق الحكومي يغذي العديد من الأنشطة الاقتصادية الأخرى، وبالتالي يساهم في دفع عجلة التنمية الاقتصادية للدول، خاصةً عند تراجع الإنفاق الاستهلاكي، وحركة الاستثمار، وهو ما يحدث في حالة الركود الاقتصادي. وهذا أيضاً تحاول الحكومة مجاراته من خلال زيادة الإنفاق العام ولا سيما الإنفاق الاستثماري في موازنة 2025 حيث يشكل الانفاق العام الاستثماري 30%.
أما أهمية الاستثمار بالنسبة للاقتصاد، فيرى الخبير الاقتصادي أنها تتمثل في قدرته على خلق المزيد من فرص العمل، ورفع معدلات التشغيل، وتسريع معدل دوران رأس المال، وتعظيم التراكم الرأسمالي في البلد، إلى جانب زيادة القدرة الإنتاجية للدولة.ط، ويمكن اعتبار الميزان التجاري مقياساً لمدى الاكتفاء الذاتي لبلد ما، ومستوى السيادة الاقتصادية ومعدل الانكشاف الاقتصادي. وبالتالي مؤشر على قوة الاقتصاد.
مقارنة اقتصادات الدول
ويقول: تعد هذه المؤشرات الاقتصادية الأربعة دليل على قدرة الاقتصاد، وهي ما يقوم الناتج المحلي الإجمالي بتجميعها في رقم واحد يسهل مقارنته من سنة إلى أخرى ومن بلد لآخر، وتعد القيمة الرئيسية للناتج المحلي الإجمالي هي الطريقة الأمثل لمقارنة اقتصادات الدول.
وفقاً لما تقدم يتضح دور وأهمية الاستثمار في تحقيق النمو الاقتصادي والتنمية في المجتمع،
وبالعودة إلى الأرقام المعلنة لحجم الاستثمار في سورية خلال الاجتماع الأخير لمجلس الاستثمار الأعلى.
وهنا يشير الدكتور عياش إلى أنه من حيث المبدأ واعتماداً على ظروفنا الاستثنائية كبلد يعيش حرباً إرهابية ظالمة ويعاني من حصار وعقوبات جائرة وفي محيط ملتهب جيوسياسياً، وعدم توفر المقومات الكافية؛ فإن مجرد وجود استثمار ومستثمرين هو إنجاز هام ومقدر، بغض النظر عن حجم ذلك الاستثمار.
ولكن- والكلام للخبير الاقتصادي- يجب ألا يجعلنا ذلك نفقد الواقعية في تقييم الاستثمار، فقد بلغ عدد المشاريع الاستثمارية الإجمالية المشملة وفق القانون 18 لعام 2021 حتى تاريخه، ما مجموعه 196 مشروع، أي بمعدل وسطي قرابة 65 مشروع سنوياً (مرخص وليس منفذ).
وبقيمة استثمارات إجمالية بلغت 62 تريليون ل.س، أي قرابة 4.6 مليار دولار، وبمعدل 1.5 مليار دولار سنوياً، وهذا رقم هام، ولكنه متواضع للغاية إذا ما قورن بحجم الاستثمارات المطلوبة للتعافي فقط، وليس للنمو، وكذلك إذا ما قورن بحجم الخسائر الهائلة في البنى التحتية والقاعدة الإنتاجية، والتي تتباين تقديراتها بين 300 وحتى 900 مليار دولار. وكذلك إذا قورن بحجم الرساميل السورية المهاجرة، حيث قدرت رساميل السوريين في لبنان وحدها بتقديرات تعدت 40 مليار دولار.
17الف فرصة عمل
وعلى صعيد فرص العمل، يجد الخبير الاقتصادي أن هذه الاستثمارات يمكن أن توجد 17,000 فرصة عمل إذا تم تنفيذها، أي بمعدل وسطي قرابة 5,600 فرصة عمل سنوياً، والحاجة التقديرية هي قرابة 250 ألف فرصة عمل سنوياً، وبالتالي نجد محدودية مساهمة هذه الاستثمارات في إيجاد فرص العمل، وزيادة معدلات التشغيل ومعالجة البطالة.
الركود الاقتصادي
وينتقل الدكتور عياش إلى حالة الركود الاقتصادي التي يعانيها اقتصادنا، معتبراً أنها تبين ضعف مساهمة هذه الاستثمارات على أهميتها في زيادة الطاقات الإنتاجية المتاحة، وهذا ينعكس سلباً مع الميزان التجاري من خلال تراجع الصادرات، وزيادة المستوردات.
فرص جاذبة حقيقية
ويختم الخبير الاقتصادي حديثه لصحيفة الثورة بالقول: أنه رغم ظروفنا غير المواتية وعدم توفر البيئة المثالية للاستثمار، إلا أننا نتمتع بفرص حقيقية استطاعت جذب استثمارات جيدة، ولكنها غير كافية، وبالتالي مازال أمامنا الكثير من الجهود المطلوبة لتحسين وتطوير البيئة الاستثمارية لتكون قادرة استغلال الفرص الحقيقية بفاعلية، وعلى جذب وتحفيز وتشجيع الاستثمارات في مختلف القطاعات التنموية. وفق أولويات تحددها الحكومة في سبيل زيادة مساهمة هذه الاستثمارات في الناتج المحلي الإجمالي، وزيادة الإنتاجية، ومعدلات التشغيل، وتخفيض عجز الميزان التجاري، وتحقيق النمو والتعافي الاقتصادي.