كيف نحمي الهوية؟

الملحق الثقافي- عبد الحميد غانم:
تهدد الهجمة الغربية متعددة الأوجه التقنية والعسكرية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والإعلامية واللغوية واقعنا العربي في هويته وثقافت ومستقبله، وتثير الكثير من المخاوف حول واقع العرب ودورهم ومستقبلهم، في حين أنّ الثقافة الكونية في عصر العَولمة باتت تهدِّد بضرب الركائز البنيوية للثقافات والهويات الوطنية في الدول العربية.
فالهوية العربية إن صح التعبير أي هويات دول الأمة، تتعرّض لتأثيرات سلبية متزايدة من ثقافة غربية ذات نزعة استفزازية تقوم على صراع متعدد الوجوه يحاول إخضاع الثقافات العريقة قسرياً لثقافة واحدة تضع الثقافة في خدمة نظام يفتقد إلى القيَم الإنسانية والدينية والأخلاقية.
وتستهدف هذه الهجمة العنصرية العروبة بمفهومها الحضاري، إذ يراد تصويرها كما لو أنها عرقية عنصرية، فلو كانت كذلك لما دافع عن الثقافة العربية واللغة العربية والقرآن من هم ليسوا عرباً، وقد أشار كثير من المفكرين إلى أننا نتحدث عن العروبة.. نتحدث عنها بالمعنى الحضاري وليس بالمعنى العرقي، ولو كانت بالمعنى العرقي لما دافع عنها أحد.. إن هذا المعنى الحضاري للعروبة فيه ثقافات متعددة، وفيه أعراق متعددة وهذا دليل قوة.
تشكِّل العروبة الجامعة اليوم رؤية ثقافية لإطلاق مسار حضاري متعدد ومتنوع لا ينطلق من تغليب العنصر القومي العربي على غيره من العناصر السكّانية المُنتشرة على امتداد الوطن العربي، بل ينطلق من المساواة بين مختلف المكونات المساهمة بهذا المسار الحضاري، فلا يمكن للعروبة أن تكون حضارة جامعة إذا أغفلت الجوانب المضيئة لجميع أبناء الأمة في تراث العرب الحضاري، ولأنها في المرحلة الراهنة تعاني من بعض الأزمات فهي بحاجة ماسّة إلى تجاوز أزماتها، انطلاقاً من أصالة موروثها الثقافي وتفاعلها الإيجابي مع بقية الثقافات في عصرنا الحالي.
ومما لا شك فيه فإن استنهاض العروبة الثقافية يعد الردّ الحضاري العربي على التحدّيات الداخلية والإقليمية والدولية التي تعصف بالمنطقة العربية حالياً، فقد بات التاريخ العربي في ماضيه الذهبي عبئاً على عرب اليوم، ممن يعتبرون أنفسهم أصحاب حضارة عريقة أدت دوراً بارزاً في التفاعل الثقافي بين الشرق والغرب، وذلك لأنهم مفكّكون وبعض دولهم عرضة للتقسيم.
فالنزاعات الدولية والإقليمية المستمرّة أخرجت العرب نوعاً ما من دائرة الفعل المقاوِم للتحدّي الخارجي الذي يتربص، بهم وجعلت من بلدانهم ساحة صراعٍ منذ سنوات، ويحرك ويدير هذا الصراع قوى دولية وإقليمية تريد الهيمنة والسيطرة واستعادة تاريخها الاستعماري في المنطقة، كما يتم توظيف منظّمات إرهابية مسلّحة تنفِّذ أجندات إقليمية ودولية بهدف تنفيذ مشروعات التقسيم، ويُراهن المخطّطون لها على تنفيذها على الأرض العربية.
إنّ الدعوة إلى عروبة جامعة ذات أهمّية استثنائية في المرحلة الراهنة، حيث الظروف الإقليمية المُحيطة بالعرب بالغة الخطورة، بسبب الأوضاع السياسية والاقتصادية الصعبة التي تمر بها المنطقة، فالعرب مستهدفون بشدة في وجودهم ومستقبلهم، وخصوصاً بعد الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي أصابت دولهم.
كما يجري برعاية أميركا تصفية قضيتهم المركزية وتهجير مَن تبقّى من الفلسطينيّين، وضمّ الكيان بالقوّة لجميع أراضي الضفّة الغربية وقطاع غزة وإجبار الأُمم المتّحدة على توطين الفلسطينيّين في مناطق لجوئهم الحالي، وإلغاء حقّ العودة نهائياً مع تقديم بعض التعويضات المالية لقلّة قليلة منهم، فكيف تستطيع العروبة الحضارية حماية العرب في مثل هذه الظروف الدولية الإقليمية؟.
تبدو الحاجة ملحّة إلى إنجاز التكامل العربي على قاعدة العروبة الحضارية، التي تقوم على قاعدة التكامل العربي وفق المعالجة العلمية الرصينة لجوانب التكامل التي تُسهِم في بناء المواطن العربي الواعي، وفي بناء مجتمع المعرفة الحاضن للإبداع الثقافي، وهي ركائز صلبة ومحورية في الردّ الحضاري العربي على التحدّي الخارجي استناداً إلى عروبة من نوع جديد.
ولأنّ الدعوة إلى العروبة الحضارية تتضمّن التمسّك بمقولات الثقافات الإنسانية، والتطلّع إلى المستقبل بنظرة عقلانية لحماية كلّ ما هو إيجابي في التراث العربي الأصيل من دون التنكّر للحداثة السليمة والعلوم العصرية والتكنولوجيا المتطوّرة، فهي تشكّل صلة وصل بين حاضر العرب وماضيهم العريق، إلى جانب المُشارَكة الفاعلة في الثقافة الكونية.
                           

العدد 1212 – 5 – 11 -2024   

آخر الأخبار
وزير الخارجية يبحث مع نظيره الألماني هاتفياً تعزيز العلاقات الثنائية بحث لقياس قوة العمل والبطالة في درعا السفارة الأميركية: دعم واشنطن لعودة السوريين من مخيم الهول خطوة نحو إنهاء أزمة النزوح "القاضي"..مستشار أول لشؤون السياسات الاقتصادية واقع الصحة النفسية والدعم الاجتماعي في شمال سوريا مفوضية اللاجئين تتوقع عودة 1,5 مليون سوري بحلول نهاية 2025 إنتاج حليب النوق تجربة فريدة.. هل تنجح في سوريا؟ خطة طوارىء من حليب النوق إلى جبن الموزاريلا... دراسات تطبيقية تربط العلم بالإنتاج ضمن إعادة هيكلة المؤسسات..  رؤساء دوائر "بصحة " حمص ومزاجية في ترشيح الأسماء الفائضة.. إعادة توزيعهم... الدرويش لـ"الثورة" : عدم توفر البيانات يعيق التخطيط للتحول الطاقي  بمشاركة 182 طالباً وطالبة انطلاق الأولمبياد الجامعي الأول في البيولوجيا   لبنان: الموافقة على خطة عودة النازحين السوريين مدير تربية القنيطرة : تحقيق العدالة والشفافية في المراكز الامتحانية 120468 متقدماً للامتحانات في ريف دمشق موزعين على 605 مراكز سوريا و"حظر الكيميائية" تبحثان سبل التعاون بما يخدم الالتزامات المشتركة  "الأوروبي" يرحب بتشكيل اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب في سوريا الهاتف المحمول في قبضة الأطفال صيفًا.. راحة مؤقتة بثمن باهظ تداول العملات الرقمية في سوريا نشاط غير قانوني... وتحذير من الاحتيال   حلب وغازي عنتاب.. دعم عودة السوريين من اللجوء