الثورة – دمشق – جاك وهبه:
مع تفاقم التحديات الاقتصادية على الصعيدين المحلي والدولي، ووسط التقلبات التي تشهدها الأسواق العالمية نتيجة للأزمات السياسية والصحية والبيئية، أصبحت الحاجة إلى إيجاد حلول بديلة لتقوية الاقتصاد الوطني أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى.
وتبرز المشاريع الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر كأدوات إستراتيجية يمكن الاعتماد عليها لدفع عجلة النمو الاقتصادي، وتوفر فرصاً حقيقية لإيجاد مصادر دخل إضافية، وتقليل نسب البطالة، وتلعب أيضاً دوراً مهماً في تعزيز الصناعات المحلية وزيادة الإنتاج الوطني، مما يقلل من الاعتماد على الاستيراد ويعزز الصادرات، الأمر الذي يساعد على تحقيق استقرار اقتصادي أكبر ويقلل من آثار الأزمات العالمية على الاقتصاد المحلي.
دور محوري
وفي هذا السياق، أكد الخبير في الشؤون الاقتصادية فاخر قربي، في تصريح خاص لصحيفة الثورة، ضرورة توجيه الأنظار نحو المشاريع الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر نظراً لدورها المحوري في التنمية الاقتصادية ومواجهة التداعيات الاقتصادية العالمية.
وقال: “إن هذه المشاريع تعزز أهميتها يوماً بعد يوم، سواء من حيث زيادة الإنتاج أم في توجيه السيولة المصرفية نحو الوجهة الاستثمارية الصحيحة، خاصةً في ظل ما يتداول بشكل دائم عن قانون قيصر وتأثيراته على أرض الواقع”.
التحديات الحالية
وأشار قربي إلى أن التحديات الحالية ناتجة عن وجود معوقات ضمن السياسات والاستراتيجيات الاقتصادية المحلية، فضلاً عن عدم تمكن السيولة النقدية المتراكمة في المصارف العامة من التناغم مع الاستثمار الاقتصادي، وعدم تقديم المصارف تسهيلات حقيقية لتأسيس المشاريع التنموية، إذ تُفرض شروط شبه تعجيزية على الضمانات المطلوبة للحصول على القروض، مع رفع الفائدة على هذه القروض.
وأضاف: إن الضرائب والرسوم، وصيغتها الحالية، تمثل عائقاً أمام المشاريع التي لا تزال في طور التأسيس، ما أدى إلى ارتفاع التضخم، وضعف القوة الشرائية، وتراجع عدد المشاريع المتوسطة والصغيرة، وفقدان مئات الآلاف من فرص العمل، وزيادة معدلات الفقر وهجرة الشباب والكفاءات الوطنية.
الفكر الإنتاجي
وأوضح قربي أن البلاد اليوم بحاجة ماسة إلى الانتقال من الفكر الاستهلاكي إلى الفكر الإنتاجي المتجدد، مع ضرورة دعم الإنتاج الزراعي وتطوير تشريعات وسياسات اقتصادية تتلاءم مع الواقع، وقال: “هذه الخطوات ستسهم إلى حد كبير في كسر الحصار الاقتصادي، وتعزيز المشاريع المتنامية وتوسيع انتشارها الجغرافي لخلق فرص عمل جديدة تقلل من هجرة الشباب واليد العاملة الخبيرة”.
ودعا الخبير في الشؤون الاقتصادية إلى توفير خطط وبرامج تنموية خاصة بالسياسات المالية والمصرفية، وتوظيف الأموال المتراكمة لدى المصارف في مشاريع التنمية الاقتصادية بدلاً من بقائها دون استخدام، مشدداً على ضرورة تخفيف الروتين المالي والإداري والقانوني فيما يتعلق بالقروض الإنتاجية، وجعل أي مشروع اقتصادي إنتاجي كفالة مصرفية بحد ذاته، بدلاً من اشتراط كفالات بقيم مضاعفة لقيمة القرض.
وأضاف أن من المهم العمل على تخفيض الرسوم والضرائب المفروضة على الصناعيين، وتقديم إعفاءات ضريبية لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات، مما يقلل من حجم التكاليف ويخفض الأسعار ويزيد من الإنتاج المحلي، بما ينعكس إيجابياً على المواطن وحجم التبادل النقدي وقيمة الليرة السورية.
سلف مالية
كما أكد قربي ضرورة تطوير النظام المالي داخل المؤسسات والإدارات لمنح موظفي القطاع العام سلفة بمعدل راتب سنة كاملة، بدلاً من اقتصارها على راتب شهرين، مع تسديد السلفة على مدى ثلاث إلى خمس سنوات، ما يعزز الإنتاج التنموي لكل أسرة ويخلق فرص عمل جديدة، ويقلل من حالة الركود التضخمي الذي يعانيه الاقتصاد الوطني.
التصنيع الزراعي
واختتم حديثه لـ”الثورة” بالتركيز على أهمية تعزيز القانون رقم 8 الذي أصدره السيد الرئيس بشار الأسد، والمتعلق بإحداث مصارف التمويل الأصغر لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وأكد أن الدولة تتبنى حالياً إستراتيجية تعتمد على القطاع الزراعي كحامل أساسي لتجنب آثار الحصار الجائر، ودعم الأسر الأشد احتياجاً، ورغم أهمية هذه الإستراتيجية، مشيراً إلى ضرورة تعزيزها بإستراتيجية التصنيع الزراعي، ويقدم التصنيع قيماً مضافة أعلى، ويمكن الاستفادة من تكنولوجيا الإنتاج المتقدم، مع توجيه المؤسسات المالية، بما فيها مؤسسات التمويل الأصغر، لتعبئة الموارد وتوجيهها بما يخدم الاقتصاد الوطني، خصوصاً في المرحلة الحالية.