الثورة – نيفين أحمد:
مرةً جديدة يثبت السوريون أن المحن قادرة على جمعهم أكثر من أن تفرّقهم، وأن في لحظات الخطر تتجلى أسمى معاني التضامن والانتماء.
وكما صمدوا معاً في وجه ويلات الحرب والنزوح والخوف والفقد، ها هم اليوم يقفون صفاً واحداً في مواجهة الحرائق المستعرة في ريف اللاذقية التي دخلت أسبوعها الثاني ملتهبة في غابات وأراضٍ حراجية شكّلت لسنوات رمزاً للتنوع البيئي والجمالي.
الحرائق التي تسببت في دمار واسع أثارت قلقاً شعبياً ورسمياً عميقاً، لكن وسط اللهب والدخان برزت مشاهد لافتة من التكاتف الشعبي والوطني.
فقد هرع عشرات الشبان من مختلف المحافظات لتقديم الدعم لفرق الإطفاء والدفاع المدني التي تعمل في ظروف صعبة تطغى عليها وعورة التضاريس وارتفاع درجات الحرارة وانتشار بؤر النيران، فضلاً عن خطر الألغام والمخلفات الحربية في بعض المناطق.
رجال الدفاع المدني وفرق الإطفاء، مدعومين بمتطوعين من مختلف المناطق، أظهروا شجاعة استثنائية في مواجهة النيران، رغم حالات الاختناق والإجهاد الشديد، ولم تمنعهم المخاطر من أداء واجبهم، بل زادتهم إصراراً على حماية ما تبقى من غابات الشمال السوري.
على وسائل التواصل الاجتماعي تجلّى هذا التضامن الشعبي من خلال دعوات للمساعدة ومبادرات فردية لإرسال صهاريج المياه وعبارات تعاطف وقلق ومؤازرة، في مشهد يعكس وحدة وجدانية بين أبناء الشعب السوري.
ولم يقتصر التضامن على الأداء المؤسساتي بل تعداه إلى مبادرات فردية عفوية، حيث أتى شاب من بلدة الدانا في ريف إدلب الشمالي حاملاً عربة صغيرة يوزع منها المثلجات مجاناً على فرق الإطفاء والمتطوعين تعبيراً عن دعمه ومحبته ومساهمةً بما يستطيع.
في مواجهة ألسنة اللهب تلاشت الفوارق بين المسؤول والمواطن وبين المدني ورجل الإطفاء، وقف الجميع في خندق واحد حريصين على حماية الأرض والإنسان ومؤمنين بأن مصير البلاد واحد وأن التضامن هو السلاح الأقوى في وجه الأزمات مهما كانت قاسية.
لقد كانت التجربة المؤلمة التي تمر بها اللاذقية مناسبة جديدة لتأكيد ما عرفه السوريون عن أنفسهم طوال السنوات الماضية أن ما يجمعهم أكبر من كل ما يفرقهم، وأن الروح السورية المتجذرة في الأرض والكرامة لا تنكسر بل تتجدد كلما واجهت امتحاناً جديداً.