في لحظة فارقة، بدا أن ألسنة اللهب المتصاعدة من الغابات السورية لم تفرّق بين حدود وسياسات، بل جمعت جهوداً من أربع دول في مواجهة كارثة بيئية تهدد البشر والشجر والحجر. منذ أيام، تستمر فرق الإطفاء والدفاع المدني في سوريا، بدعم من تركيا والأردن ولبنان، في معركة صعبة ضد حرائق التهمت مساحات واسعة من الغطاء النباتي، وخلّفت خسائر يصعب حصرها. هذه الحرائق، وعلى قسوتها، أعادت التذكير بحاجة دول المنطقة إلى آلية تعاون إقليمي، وتضع سلامة الإنسان والطبيعة في المقام الأول، فحين تهب الطائرات الأردنية والتركية واللبنانية للمشاركة في عمليات الإخماد، وتفتح قنوات التنسيق على الأرض بين فرق الإطفاء، تتجلى معاني التضامن الحقيقي. لكن هل نحتاج دائماً إلى كارثة كي نعمل معاً؟.. الواقع يُحتم أن نبدأ التفكير بصوتٍ عالٍ في إنشاء غرفة تنسيق طارئة مشتركة لإدارة الكوارث، لا تقتصر على الاستجابة بعد وقوع الحدث، بل تركز أيضاً على الوقاية والتأهب، فالحرائق أصبحت موسمية، ومع تغيّر المناخ تزداد حدة وانتشاراً. اليوم، نكافح اللهب بجبهة موحدة، وغداً يجب أن نكافح الإهمال والانقسام بروح الجبهة ذاتها، لعل هذه النيران، رغم مرارتها، تترك فينا شرارة وعي جديدة أننا في هذا الشرق نعيش مصيراً بيئياً واحداً، وأن التعاون ليس خياراً، بل ضرورة وجود.