الثورة – رشا سلوم:
تنتمي دراسة التنغيم إلى دراسة صوتيات الكلام في اللغة، وترتبط دراسته بدراسة الجانب المنطوق منها، ونظراً إلى أهمية التنغيم الفائقة في بنية الكلام المنطوق /المسموع، فقد انكب الباحثون من إنكليز وفرنسيين وروس على دراسته في ألسنتهم.
أما تنغيم العربية فلم يحظ بالدراسة الجدية المتكاملة، نظراً إلى عدم توفر أدوات هذه الدراسة في أكثر الأقطار العربية.
الدكتور محمد هايل الطالب بمشاركة رضوان القضمان قدما كتاباً مهماً في هذا المجال حمل عنوان: “التشكيل التنغيمي في المنظومة اللغوية العربية”.. صدر عن اتحاد الكتاب العرب في دمشق.
من هذا الكتاب نقف عند بعض ملامح التنغيم في العربية ولاسيما علامات الترقيم.
دور علامات الترقيم
إن التمييز بين المنطوق والمكتوب في دراستنا للتنغيم يهدف إلى إيضاح كيفية التنغيم في الكلام عند تحوله من المنطوق إلى المكتوب، وهذا بدوره يقود إلى الحديث عن دور علامات الترقيم في المكتوب وأثرها في نقل تنغيم المنطوق للمتلقي، إذ يتوهم بعضهم أن علامات الترقيم مجرد عناصر ثانوية زائدة عن الحاجة، مغفلين أهميتها في التواصل الإنساني، وبأنها ضرورة حتمية اقتضاها الانتقال من ثقافة المنطوق إلى ثقافة المكتوب، لذلك بتنا نرى إغفالا لها في كثير من النتاجات المكتوبة، كما أغفلتها الدراسات العربية، إذ لم تلحظ وجود دراسات أفردت لدراسة الترقيم ولدراسة أهميته في الكلام وفي التواصل الإنساني.
ونشير هنا إلى المحاولة الأولية للدكتور أحمد كشك الذي حاول تفسير بعد الإشكالات النحوية بالاستعانة بالتنغيم، وإذا انطلقنا من أن اللغة المكتوبة ما وجدت إلا لتسجيل اللغة المنطوقة، فإن ذلك سيجعلنا ندرك أهمية الترقيم في مقامات التسجيل، إذ لا جدوى من تحويل اللغة المنطوقة إلى أخرى محصورة في المكان ما لم تقيد ظاهرة التنغيم برسوم خطبة مناسبة تعبر عن المنطوق بأمانة.
كما أن الانطلاق من أن الكتابي تابع للشفوي يجعل من النص المنطوق مقياساً لتحديد مدى حاجة العربية إلى الترقيم، إذ يساعد الترقيم على الحفاظ على المعنى بعيداً عن الالتباس وتمكين الكلام من الحفاظ على شحنته العاطفية وجمال وطاقات التعبير والتواصل الكامنة فيه.
وإذا كان من أهم وظائف التنغيم إظهاره حالات المتكلم من إخبار أو استفهام أو تعجب أو انفعال، عبر التغييرات التي تطرأ على الصوت أثناء النطق من علم وانخفاض فإن أهم وظيفة للترقيم هي تجسيد هذه الوظائف بصرياً عبر استخدام الإشارات الترقيمية الدالة، ومن هنا علينا أن نجد علامات الترقيم المناسبة لكل الحالات التنغيمية المتجلية في المنطوق وتجدر الإشارة إلى الإمكانيات الكتابية التي تتيحها الطباعة قليلة، فلسنا نرى الكتاب يستعملون أشكال الطباعة بالأحرف المائلة أو البارزة أو الغليظة، لإبراز كلمة معينة أو التركيز على عنصر معين في الجملة، أو التنبيه إلى تغير في وتيرة الكلام، اللهم إلا بوضع سطر أو قوسين أو ما شابه ذلك أو بالإشارة إلى ذلك صراحة بعبارات من قبيل ورفع صوته.