الثورة- غصون سليمان:
نشهد كمجتمع وأفراد طفرات متعددة بين الحين والآخر من حالات التشويش، وخاصة على صعيد الاتصال المرئي والإذاعي خلال سنوات الحرب العدوانية وغيرها على سورية، ما أثر على العلاقات الاجتماعية بشكل عام.
في هذا السياق يُعرف التشويش كمصطلح إعلامي، أنه أي عائق يحول من دون القدرة على الإرسال أو الاستقبال، أو هو أي شيء يدخل في سلسلة الاتصال لا يكون في نية المرسل أن يضعه كصوت طائرة تمر أثناء المحاضرة، أو عوامل من تشتت الأشياء كالنطق السيئ أو وجود عناصر منافسة، ويؤدي التشويش إلى تغيير في معنى الرسالة أو عدم فهمهاً فهماً صحيحاً.
هذا ما أشار إليه الدكتور عزت شاهين من قسم علم الاجتماع جامعة دمشق، في بحثه حول علم الاجتماع الإعلامي، مبيناً أنه في عملية الاتصال هناك نوعان من التشويش الأول ينجم عن النقل عبر القناة أو الوسيلة يسمى التشويش الميكانيكي أو تشويش القناة ويشمل كل ما يسبب اضطرابات أو تعويقاً في سلامة وسريان النقل الطبيعي للرسالة الاتصالية، مثل الأصوات التي أحدثها العوامل الجوية أو الميكانيكية للآلات، أو التداخل في موجات الراديو أو عدم وضوح صورة الـtv، أو الطباعة السيئة للوسائل المقروءة، وأيضاً عدم وضوح أو جمال الخط أو الرسم.
أما الثاني يسمى التشويش الدلالي، أو التشويش في دلالات الألفاظ ويحصل حسب رأي الدكتور شاهين عند استعمال المصدر لكلمات لا يتسع لها قاموس أو فهم الجمهور، أو يتناول موضوعات ليس للمتلقي معرفة بأولوياتها أو استعمال كلمات أو معاني أو دلالات تحمل معنى أو قصداً معيناً بالنسبة للمرسل، بينما تحمل معنى مختلفاً بالنسبة للجمهور، وبالتالي يعد فهم أو تفسير الرسالة الواحدة بمعان مختلفة من قبل الجمهور تشويشاً لغوياً أو دلالياً.
التوجيه الإعلامي
الدكتور شاهين نوه بأن مستقبل العلاقة بين التربية والإعلام تكمن بمواقف المربين والإعلاميين، وهذا ما يهم المجتمع بأكمله، من قادة سياسيين وأصحاب قرار وكذلك الأسرة والتنظيمات الاجتماعية جميعها، وهنا يظهر دور التوجيه الإعلامي للمادة التي قد تحتوي على تشويش أو تشويه للمحتوى ما يدفع إلى الخوف من التأثير الإعلامي في العلاقات الاجتماعية.
كما ينطوي الخوف من ثورة المعلومات والاتصالات على تيار عاطفي خفي قوي يتمسك بثقافة وقيم ومفاهيم أخذت قاعدتها الاجتماعية والمادية والتربوية تتزعزع، وغدا بادياً للعيان أنها تترنح اليوم تحت وطأة التكنولوجيا والمعلوماتية والاتصالية التي تلح علينا بالانفتاح بالمعرفة والصوت والصورة.
ويلفت الدكتور شاهين إلى أنه ورغم ذلك، وأن كان ولنا ويعيشون في بيئة مختلفة تماماً تعج الحواسيب والصور والشاشات الذهبية والقضية والمعلومات والثقافات المغايرة، وسيتغيرون وتتغير بينهم من دون شك فإنه ليس في ذلك مارسوا أو يتطلب الاكتفاء والعزلة وعدم التعاطي مع معطيات العصر وتكنولوجيا المعلومات والإعلام والاتصال، بل على العكس يجب أن يكون مدعاة لتحمل المسؤوليات والارتقاء بمستوى الوعي مع البقاء في الحسبان أن الخيار الأول غير مناسب بل مرفوض لعدة اعتبارات منها: إن اتجاه الانكفاء والعزلة أو الحجب سيشكل بحد ذاته دافعاً قوياً اتجاه ما هو ممنوع، وربما ستكون الرغبة في الممنوع أقوى بكثير من فعل المنع وهذا ما ينعكس على طبيعة العلاقات الاجتماعية وخاصة الأسرية.
والأمر الآخر أن الاكتفاء والعزلة والابتعاد عن تكنولوجيا العصر هي من مظاهر العيش خارج الواقع والبعد عن الحاضر، ومن لا يعش حاضره سوف يخسر مستقبله، خاصة وأن تكنولوجيا الإعلام والاتصال، وتكنولوجيا العصر بشكل عام هي من أهم عوامل التقدم التي لا غنى عنها، وما يرافقها من عوارض سلبية يشبه العوارض التي تتركها بعض الأدوية عند متناوليها، ولا يتم الوقوف عندها في معرض الاستفادة منها.