الثورة – نيفين أحمد:
“لا أريد أن أدرس.. لا أحبها إنها مملة”، هذه الكلمات باتت موجودة ربما في كل منزل يرددها أطفالنا حينما نقول لهم “ادرسوا”.
كثير منا واجه في حياته الطفولية يوماً صعباً لا يرغب في الدراسة، وخاصة موسم “المذاكرة أو الامتحان” ومن منا لم يمر بأيام انطفأت فيها رغبته باستمرار التعلّم.. “الثورة” استطلعت آراء الأهالي والاختصاصيين في هذا الأمر.
تقول والدة إحدى الطالبات: بات الأمر طبيعياً، لكن من غير الطبيعي أن يصبح الوضع دائماً وتصبح المشكلة متكررة ومزمنة، فقد بتنا نعاني منها نحن الأمهات بشكل خاص بسبب التذمر المستمر لأولادنا من الدراسة، ولا يوجد حل لهذه المعضلة وبرأي الأم أن ذلك كله بسبب وجود جهاز الخلوي بأيديهم، ولا نستطيع حرمانهم بشكل كامل منه فهو أصبح “كالأكل والشرب” لديهم “لا حول ولا قوة “.
انطفأت الرغبة
بدوره الأستاذ المتقاعد أبو محمود يقول: فقدان الشغف في الدراسة هو حالة من انخفاض القدرة على المواظبة والمثابرة بسبب تشوّش الأهداف وفقدان الدوافع أو التعرض لمواقف محبطة، وهذا ما نراه من أبناء هذا الجيل بشكل عام، حيث الإحباط الدائم وانطفاء الرغبة لديهم بالتعلم منوهاً بعدم الإحساس بالمسؤولية تجاه الدراسة.
وأشار إلى أن المرحلة العمرية تلعب دوراً مهماً في أزمة فقدان الشغف بالدراسة بسبب التطورات التي تطرأ على الطلاب في المراحل العمرية المختلفة وما يرافقها من معارف جديدة وطموحات وأحلام متباينة ومتغيرة، مضيفاً: لا ننسى الضغوطات التي يتعرض لها الطلاب من جميع النواحي ومن الأهل خاصة في المراحل الدراسية المصيرية.
الاكتئاب الدراسي
حول هذه الظاهرة كان لنا وقفة مع اختصاصية علم النفس الأستاذة شيرين شاهين، مؤكدة أن كل مرحلة من مراحل نمو الطفل فيها تحديات، وهنا يجب أن يكون دور الوعي في التربية لدى الوالدين عالياً جداً وفقدان الشغف في التعلم واحد من تلك التحديات التي قد يتعرض لها الطالب لأسباب متعددة، منها الاستقرار الأسري ودور المدرسة والمعلم، وبالإضافة إلى الأزمة التي مرت بها بلادنا والتي عاشها أبناؤنا بأصعب الظروف والحالات كان لها أثر كبير في نفسيته وطموحاته.
وأرجعت شاهين أن الرسوب أو الحصول على معدل منخفض بشكل غير متوقع له أثر كبير يهدم نفسيته ويحتاج الطلاب إلى فترة من النقاهة للتعامل مع أزمة الفشل في مادة دراسية أو في فصل دراسي أو حتى سنة دراسية من حياتهم.
وتضيف أنه في هذه المرحلة يحصل للطالب ما يسمى بالاكتئاب الدراسي وهو حالة من الاكتئاب المرتبط بضغط الدراسة والشعور بعدم القدرة على الدراسة بالسرعة المناسبة أو بالكفاءة اللازمة وعادةً ما يقود الاكتئاب الدراسي إلى الشعور بغياب الدافع وفقدان الشغف.
ونوهت شاهين بأن التوقعات غير الدقيقة تعتبر من الحالات التي تسبب هذا الشعور، وهذا يصيب طلاب سنة أولى بالجامعة، ويشعر الطالب أن التخصص الذي يدرسه ليس كما يتوقع ويريد سواء من حيث صعوبة الدراسة نفسها أو من حيث التأقلم مع التخصص كمادة علمية وتطبيق عملي.
وجواباً على سؤالنا من أن التنمر يعتبر أحد الأسباب؟ تقول شاهين: طبعاً يعتبر التعرض للتنمر في المدارس والجامعات أو من قبل الأهل والمقربين من أهم أسباب فقدان الشغف في الدراسة وليس بالضرورة أن يكون التنمر متعلقاً بالدراسة نفسها أو بمستوى الذكاء، كما أن التعرض لصدمة نفسية أو عاطفية تؤثر على شغفهم بالدراسة بشكل كبير.
معالجته
أوضحت أنه يمكن معالجة فقدان الشغف من خلال ربط اهتمامات طلابنا أو أبنائنا بالمواضيع الدراسية المختلفة مثلا ربطها بشيء يحبه، هنا ستتوسع اهتماماته ويبدأ الشغف يعود رويداً رويداً، مؤكدة على ضرورة وضع أبنائنا في ببيئة إيجابية والمثابرة على التشجيع لما له من دور كبير ومهم والدعم، والذي يساهم بالتخلص من عقدة الشغف والتعلق بالشيء الذي يريد تعلمه، وبالتالي يطور مهاراته من خلال البحث والمثابرة على إنهائه على أكمل وجه.
صداقات إيجابية
وهناك عامل مهم- تقول شاهين: تكويّن صداقات مع أشخاص آخرين يحبون التعلم، فإذا كان من حول أطفالنا أو طلابنا أشخاص لا يشجعون على الدراسة سيسببون لهم الإحباط.
الدافع الجوهري
وركزت الاختصاصية على ركيزة أساسية، وهي التركيز على الدافع الجوهري من الدراسة، فهناك نوعان من الدوافع أو التحفيز في عملية التعلّم دافع “خارجي”، إذ يجب على الأهل أو المعلم إعطاء مكافأة على الدرس أو الشيء الذي أنجزه ليكون لديه الدافع والشغف للمحاولة مرات عديدة، والنوع الثاني هو دافع “جوهري” (أو داخلي) تحقيق الرضا الشخصي أو تحفيز الإنجاز من خلال الاستقلالية في التعليم إلى حد ما وإتقان ما يتعلمه خطوة بخطوة.
أما أهم نقطة وهو الهدف من عملية التعلم والذي يسعى إليه، تشير شاهين هنا، إلى أنه يجب على الأهل أن يؤدوا دورهم في المنزل بهذا الخصوص، كأن نذكر ابننا إذا كان يريد دراسة الطب لماذا تدرس الطب مثلاً، وكيفية إفادة الأشخاص الآخرين مما تتعلمه أو جعل العالم مكاناً أفضل.
وأشارت إلى أن علاقة الابن بوالديه ونظامه الصحي والتغذية السليمة والانتظام بساعات النوم المثالية جميعها دوافع تزيد حبه للتعليم، ومن ثم يكون لديه شغف وإقبال على المبادرة بأفكار وأنشطة في المدرسة.
دور المدرسة
ونوهت بدور المدرسة بشكل عام والمعلم بشكل خاص لما لهما أثر إيجابي في إحياء الشغف غير المحدود لدى الطالب في بيئة التعلم بحيث تكون بيئة جاذبة جداً للطالب بحسب المراحل العمرية والتعليمية، فأحياناً نرى طالب لا يحب مادة معينة من مواده بسبب المعلمة، فهو لا يحبها ولا يريد حضور “الحصة الدرسية” وهذا عامل مهم للشغف.
أخيراً.. يمكننا القول: إن فقدان الرغبة في الدراسة عند بعض الطلبة أمر عادي ولا يوحي بأي مؤشر سلبي، كما أنه يختلف من شخص إلى آخر، وأي طالب قد يتعرض لأحوال طارئة تجعله يبتعد عن أي نشاط اجتماعي أو دراسي، ولكن إذا استمر مدة طويلة وبدرجة كبيرة فهذا يعني أن الطالب بحاجة إلى تدخل الأهل أو اختصاصي اجتماعي لمساعدته على التخلص من هذه الأفكار السلبية، واسترجاع رغبته وشغفه في التعلم وإكمال السير نحو تحقيق هدفه في الحياة.