الثورة :د. خلف المفتاح
ظاهرة ثقافية مميزة تستحق الوقوف عندها لأهميتها وضرورة تطويرها وهي أيام الثقافة السورية حيث شهدت المؤسسات الثقافية في سورية خلال الأسبوع المنصرم نشاطات وفعاليات عديدة إحياء لأسبوع الثقافة السورية وكان لي شرف المساهمة في المهرجان والملتقى الذي أقامته مديرية الثقافة في الرقة يومي 27-28-2024 في ناحية السبخة في الريف المحرر من الرقة وشارك في الملتقي كتاب وباحثون من مختلف محافظات القطر وقطع بعضهم مئات الكيلومترات للوصول إلى مكان النشاط على الرغم من صعوبة ووعورة المسالك المؤدية إلى ناحية السبخة حيث أقيمت فعاليات المهرجان.
والجميل هنا أن المشاركة كانت من الجنسين ومن مستويات وأجيال عمرية وفكرية وكذلك هو حال الجمهور الذي تفاعل بشكل كبير مع عناوين المهرجان الثقافية والفنية والتراثية ولعل ذلك التفاعل يدل على نجاح التجربة المعنونة بأيام الثقافة السورية التي أقدمت عليها وزارة الثقافة خلال الأعوام السابقة وهي تجربة تحتاج إلى تطوير بحيث تتزامن مع مهرجانات وطنية مركزية من قبيل مهرجان البادية الذي أقامته وزارة السياحة قبل عقدين من الزمن في مدينة تدمر وانتقل إلى محافظات عدة وشهد إقبالا وتفاعلا جماهيريا غير مسبوق إضافة إلى مهرجانات أخرى شهدتها بعض محافظات القطر بمبادرات محلية وبالتعاون مع المجتمع المحلي والشراكة معه.
إن معاينة وقراءة في هذه المهرجانات والملتقيات السنوية تجعل المتابع والمحلل لحيثياتها يردك مسألة أن التراث الشعبي بكل تفاصيله يحظى باهتمام كبير من الجمهور ويتفاعل معه بشكل غير مسبوق ولاسيما الغناء والدبكات الشعبية والحكاية والشعر الشعبي ولاسيما تلك التي ارتبطت بذاكرة الناس ما يبرز الحاجة إلى إيلائها أهمية ورعاية خاصة من الجهات المعنية بالشأن الثقافي ورعاية واحتضان ودعم فرق الفنون الشعبية وإحياء التراث المادي واللامادي إضافة تشجيع حالة التنوع في الثقافة الوطنية السورية وهي التي تتمتع إلى جانب تنوعها بأنها ثقافة متسامحة بما لها من فرادة وعراقة ضاربة في جذور التاريخ وجمالية خاصة تغني المشهد الوطني والفكرة الحضارية السورية القائمة أساساً على التنوع المتناغم تحت إطار الهوية الحضارية الجامعة ما يعزز النسيج الوطني ويجعله أكثر قوة وهو الذي تعرض لاستهداف غير مسبوق خلال العشرية المنصرمة في محاولة يائسة لتوطين ثقافة لاتشبه الثقافة الوطنية للشعب السوري التي تتجذر عميقاً في التاريخ والوجدان العام.
إن الثقافة الوطنية في جوهرها هي النواة الصلبة في تحديد الهوية هوية الشعب وانتمائه والحامل الأساسي في ذلك هو اللغة بوصفها أداة تعبير وتفكير ووعاء فكر فالإنسان يفكر كما يتكلم ويتكلم كما يفكر فهي سياج الهوية وحصنها الآمن وفي هذا المقام تبرز الحاجة إلى التحذير والتنبيه لما تشهده بعض المناطق في سورية التي هي خارج سيطرة الدولة من محاولات لضرب الثقافة الوطنية واللغة العربية وسعي يائس لفرض ثقافة غريبة على أبناء تلك المناطق وهي بلا شك محاولات محكوم عليها بالفشل والسقوط وعلى الساعين إليها بالخذلان ولعنة التاريخ.
إن الندوب التي أصابت بعض مفاصل الجسم السوري بحكم الاستهداف غير المسبوق ليس للنظام السياسي وحسب وإنما للمنظومة التي تربى ونشأ عليها السوريون سيكون علاجها ممكناً ومتيسراً لتلتئم ويصبح الجسم الوطني أكثر قوة ومنعة ويستعيد عافيته ويكمل مسيرته في إعادة بناء شامل يتجاوز كل نقاط الضعف ويعزز في نقاط القوة وما أكثرها وهي مهمة الجميع أفراداً ومؤسسات ومجتمعا محليا فالوطن لا يحميه ويبنيه إلا سواعد وعقول أبنائه الشرفاء والمخلصين.