الثورة – رزان أحمد:
أصبحت الشراكة بين القطاعين العام والخاص إحدى الوسائل لتحقيق النمو الاقتصادي، فالتفاهم بين القطاعين على صيغة عمل اقتصادية مشتركة، يؤدي إلى نجاح الإستثمار في مختلف المجالات، فما هي ماهية العلاقة بين القطاعين من مفهوم اقتصادي؟.
الخبير وأستاذ الاقتصاد نبيل خوري يعتبر أن الشراكة بين القطاعين العام والخاص إحدى الطرق لإنشاء وتطوير البنى التحتية العامة التي يحتاجها المواطنون، لكنها ليست الأداة الوحيدة لحل جميع المشكلات، وإذا تم استخدامها بشكل مسؤول في تنفيذ المشاريع المناسبة فستحقق النتائج المرجوة منها.
مصطلح يغطي مئات العقود
ويتابع الدكتور خوري في حديثه لصحيفة الثورة: أنه لايوجد إجماع على طريقة تعريف شراكة القطاع العام والخاص، ويمكن للمصطلح أن يغطي مئات أنواع العقود طويلة المدى مع اختلاف تخصيصات الخطر وترتيبات التمويل ومتطلبات الشفافية.
ويقول: إن تقدم هذا النوع من الشراكات مفهوماً وعملياً، هو نتيجة التحولات العالمية الجديدة في آواخر القرن العشرين، وضغوط العولمة، ولكن وإن انعدم الإجماع على تعريف للمصطلح، فقد عرّفته الكيانات الكبرى كمنظمة التعاون للتنمية الاقتصادية، بأنه: «اتفاقات تعاقدية طويلة المدى بين حكومة وشريك خاص، يقدّم فيها القطاع الخاص ويموّل خدمات عامة من رأس ماله، ويشارك في تحمل الأخطار، وهو يشمل عادة تمويل أو بناء أو إدارة كيان خاص لمشروع مقابل سيل من المدفوعات الآتية مباشرة من الحكومة أو من المستخدمين على مدى المدة المتوقعة للمشروع أو مدة محددة أخرى».
هل الشراكة خصخصة؟
وقد اختلف البعض على الإجابة عن سؤال مفاده..هل تشكل شراكات القطاع العام والخاص خصخصة أو لا؟.
وهنا يشير الدكتور خوري إلى أن البعض يعتبر أنها ليست «خصخصة»، لأن الحكومة تحافظ على ملكية المرفق وتبقى مسؤولة عن تقديم الخدمة العامة، في حين يعتبرها آخرون إنها نوع محدود من الخصخصة، لأنه لا يقتضي بيع الأصول الحكومية، ولكنه ليس أكثر من مجرد التعاقد مع الشركات الخاصة لتقديم خدمات.
تقاسم المخاطر
وضمن هذا الإطار يعلق الخبير الاقتصادي قائلا: تؤدي الشراكات بين القطاعين العام والخاص، إلى تمكين الحكومات من شراء وتقديم خدمات البنية التحتية (الخدمات العامة)، والإستفادة من موارد وخبرات القطاع الخاص، من خلال ترتيبات تقاسم المخاطر، وإذا ما صُـمّمت الشراكات بين القطاعين، ونُـفذت على نحو سليم، فبمقدورها أن تحقق قيمة اجتماعية، من خلال تقديم الخدمات في الموعد المناسب، وبتكلفة معقولة، فضلاً عن المكاسب المحققة من تحسين الكفاءة والابتكار في تصميم المشاريع، وإدماج الخبرات العالمية، والوصول إلى مصادر جديدة لرأس المال، وعلى الجانب الآخر، نجد أن ضعف تصميم وتنفيذ الشراكات بين القطاعين العام والخاص يؤدي إلى عدم تحقيق النتائج المرجوة.
كيفية الاستدامة
وعن سبل تطوير الشراكة بين الخاص والعام، يقول الدكتور خوري: أنه يتطلب توسيع نطاق مشروعات الشراكة، بين القطاعين العام والخاص، والمحافظة على استدامتها، الإهتمام بالأسس الحيوية لتحقيق ذلك على مدى دورة المشروع، وتشمل هذه الخطوات ضمن جملة أساسيات، مثل: “سياسة قوية، وإطار مؤسسي وتنظيمي، بما في ذلك تقييم مخاطر المالية العامة والالتزامات الطارئة”؛ ومجموعة موسعة من المشروعات التي يمكن تمويلها من خلال البنوك، على أن يجري تحديدها من خلال إجراءات واضحة، تحدد الأولويات، وتدرس هذه المشروعات لتحديد مدى ملاءمتها للشراكة بين القطاعين العام والخاص؛ وقدرات راسخة لإعداد المشروعات وتنظيمها (مع النظر بعين الاعتبار إلى الجدوى المالية، وتوزيع المخاطر، والمساندة الحكومية ومدى معقولية التكاليف)؛ والقدرة على مساندة المعاملات وإدارة العقود.
قوانين خاصة
وينوه إلى أن أغلب البلدان تبنت على نحو متزايد في جميع أنحاء العالم بالعقود الماضية، إقرار قوانين مخصصة للشراكة بين القطاعين، وأسست وحدات للشراكات بين القطاعين (مع تنوع في المسؤوليات، والاختصاصات، والموقع في الهيكل التنظيمي للجهاز الحكومي)، ويتمثل الهدف من ذلك في:
إبقاء الالتزام الحكومي وتأمين الموارد مع الوقت؛
الفحص الدقيق والاتساق في الإجراءات لتدعيم التعلم المنهجي وإدارة العقود على نحو يتسم بالكفاءة؛ وبناء القدرات اللازمة للتعامل مع العمليات المعقدة؛ وتشجيع الاستمرار في العمليات (بما في ذلك تعبئة التمويل لإعداد المشروعات).
وعملياً، – والكلام للدكتور خوري- الإطار القانوني والمؤسسي السليم للشراكة بين القطاعين العام والخاص، ليس سوى أحد العوامل الكثيرة والمعقدة التي تساعد في تحقيق نجاح برامج هذه الشراكات، ومن الصعب التحديد المسبق وعلى نحو دقيق، لما يسهم به كل عامل من هذه العوامل.
تجارب ناجحة
طورت البلدان التي لها سجل نجاح حافل في برامج الشراكات بين القطاعين والمشاريع الموسعة (مثل جنوب أفريقيا، وشيلي، والبرازيل، وأستراليا، وكوريا الجنوبية)، بمرور الوقت اطر قانونية راسخة يجري العمل بها (سواء أكانت تشريعات قائمة بذاتها للشراكات بين القطاعين أو غيرها).