ثورة أون لاين – خالد الأشهب:
تستقيم كتابة التاريخ حين تتعدد تفاسيره وتأويلاته والرأي حول أحداثه , وتسقم تلك الكتابة وتعتل حين يخطها قلم واحد عن ذهن واحد ..
فعل ما فعل ورأى ما رأى ثم خط سطوره ووضع نقطة في نهايتها ورفعها إلى الرف , ليأتي من بعد من يمسح الغبار عنها ويقرأها متوهماً أنها الحقيقة كاملة !
يكذب قادة الغرب وسياسيوه عادة , سواء على شعوبهم أم على الشعوب الأخرى , ويرفعون شعارات وعناوين تزيغ روعتها نظر من يحتاج إليها ويتوق لتحقيقها , لكنهم عادة أيضاً , يجدون حتى بين أبناء جلدتهم من المثقفين أو المؤرخين أو السياسيين المنافسين لهم من يكشف كذبهم وينشر غسيلهم قذراً كان أم نظيفاً .. وسواء بررت الغايات الوسائل أم لم تبررها .
طيلة أربع سنوات من الحرب الدائرة في سورية , كان السوريون وكانت حقوقهم الإنسانية وديمقراطيتهم ورفاههم المفقود أطلال للبكاء والحسرة والعويل , لعدد من قادة الأعراب وأشقائهم في الدين أو الكذب ممن جاورهم , وما وجدوا من أبناء جلدتهم من يمزق عن وجوههم حجب الرياء والدجل رغم طول ألسنتهم وقصر أعناقهم وحبال كذبهم , ولينبري لهم حلفاؤهم وحماتهم وأسياد عروشهم ونعمهم وكأنما السحر ينقلب على الساحر في ظاهرة غريبة مستجدة في عالم السياسة والدبلوماسية ؟
وقد جاءت آخر الانقلابات تلك مثيرة للدهشة والتساؤل .. إذ يشكر الرئيس أوباما الملك «الهاشمي النشمي « علناً على ما قدمه من مساعدات للإرهابيين في سورية .. رغم النكران المتكرر للملك إياه وحاشيته , وقبله نائبه جو بايدن يخبر العالم , ودون أي تكلف , بأن السعودية وقطر وتركيا والإمارات تمد الإرهاب بالمال والسلاح والمعتوهين المرتزقة .. أيضاً رغم نكرانها جميعاً لذلك , وفي الأمس دعا السيناتور الأميركي الشهير جون ماكين ، لتقديم الشكر لمملكة الجهل لقاء إضرارها بالاقتصادين الروسي والإيراني عن طريق خفض أسعار النفط .. رغم إنكار المملكة إياها الانخراط في لعبة الإغراق وخفض الأسعار .
والدهشة هنا ليست من الكذب والكاذبين الأعراب وجوارهم .. فهذا شأنهم ولا جديد فيه , بل ممن يكشف عنه وعنهم وهو حليفهم وسيدهم ووليهم في الدنيا دون الآخرة , ومن التفسير الممكن في تبرير مصلحته بكشف كذب حلفائه وأصدقائه أمام عدوهم المشترك , ووقع ذلك عليهم وعلى مستقبل حلفه معهم واستخدامه لهم !
ترى , هل فاض الكذب الأعرابي بالأميركي فأخرجه عن طوره وكياسته الدبلوماسية .. وما عاد يطيق رؤية من هو أكثر كذباً ورياء ودجلاً منه بمرات ومرات .. حتى لو كان حليفه وأداته , أم أن الأميركي هذا بلغ من استخفاف واحتقار هؤلاء الحلفاء والأدوات حداً ما بلغه سيد تجاه عبده من قبل؟
هكذا يستقيم التاريخ .. ويصح التأريخ , ويعثر ماسح الغبار عن السطور غداً على ما يدله إلى الحقيقة لا الوهم , فيدرك أن لا فرق كبير بين سياسة الانحطاط وانحطاط السياسة حين يكون الأعراب « أبطال « الانحطاط في الروايتين !!