الثورة :
من رأى دمشق في ليلة رأس السنة الجديدة تطلق حزم الضوء الملونة في سماء عتمتها التي طالت وتحطم مفاتيح السجون تحت أقدام الحرية محتفية برحيل نصف قرن وليس سنة .. مضيئة شجرة ميلاد الوطن وليس النظام الحاكم.
دخلت السنة الجديدة للمنطقة والعالم من التوقيت السوري ومن ساعة انتصار الحرية في معصم اليد السورية التي قبضت على جمر الصبر وقدمت قرابينها على مذبح الإرادة والتحرر ليكون النصر حليفاً والفرصة تاريخية لم يستطع السوريون إليها سبيلاً منذ خمسين عاماً.
يحق للسوريين أن يكتبوا بالضوء تاريخ ولادة سوريا الجديدة فهو في رزنامتهم السياسية حدث مفصلي استعاد ملامح سوريا الأصيلة ومسح وجه المنطقة والشرق الأوسط المرتبك والمتعب من خرائط الحروب والمفخخات السياسية فوق أجساد الشعوب.
هو تاريخ يبشر بسنوات خصبة إن اكتمل رهانه على نجاح المشهد السوري وإعادة التوازن الى مؤسسات الدولة خلال المرحلة القادمة عندها ستكون ثورة الشعب السوري نموذجاً عالمياً لثورة حرية استمرت أربعة عشر عاماً من النضال تحت رصاص ظلم السلطة الحاكمة وانتصرت كما بدأت سلمية دون أن تكون صاحبة الرصاصة الاخيرة بل الكلمة الأخيرة.
ثورة فاجأت العالم يوم خرجت من رمادها مجدداً وأسقطت حتى اللحظة رهان الحرب الأهلية في سوريا لأنها ثورة الشعب على الطاغية وحين تمكنت من بتر الأصابع الخفية والخارجية جاءت نقية صافية في خواتيمها وحقنت دماء السوريين كلهم فلم نشهد ولم نشاهد صور القتل والدمار التي كانت بل توالت الأخبار بأن دخول الثوار للمحافظات يؤكده خبران فتح السجون وخروج المظاهرات الشعبية للهتاف بسقوط السجان الذي كان يصدّر صورة مشوهة للثورة فوثقت له أبشع صور الاجرام ولقطات الهروب والسقوط المدوي.
أسرف النظام الساقط في شرب الفساد ورفع كؤوس النشوة بالإجرام والقسوة بحق الشعب على ابواب السجون والمعتقلات والفروع الأمنية وتغنى بحفلات التدخل الخارجية حتى ترنح واختل بالتوازن فسقط بأركانه ورموزه ورغم ثقل جثته المترهلة سياسياً وعسكرياً كانت المعجزة أن سوريا لم تسقط بل نهضت لتلتقط مفاتيح قصر القرار السوري بعد أن رماها الهارب فزعاً وتمنحها لمن يصون ويمثل الشعب السوري بالانتخابات والدستور والقانون.
يفتتح السوريون عامهم الجديد بالتنسيق لحوار وطني دعت فيه القيادة السورية الجديدة وحكومة تصريف الأعمال كل مكونات الشعب السوري (ويجب أن يحضر من يمثل الجميع) ليولد حوار سوري -سوري بامتياز مضيفته دمشقية بعيدة في خطابها وقرارها عن عواصم التدخل الخارجي فلا آستنة ولا سوتشي ولا أي مؤتمر آخر تشحن فيه طاولة الحوار السورية على متن الطائرات الى دول تعتقل القرار السوري وتجعل من مساحته حلبة للمكاسرة مع خصومها.
حوار سوري في مؤتمر وطني جامع هو الاختبار الكبير والحاسم لقنص كل محاولات التدخل الخارجي .. حوار تشخص إليه كل أنظار العالم وتترقب الولادة السياسية لسوريا الجديدة التي هزت نخل الثورة فأكلت رطب الحرية وتنتظر اليوم أن ينطق السلام فيها عقداً اجتماعياً ودستوراً يوثق إرادة كل السوريين ويوحد صوتهم ويرص صفوفهم في مواجهة ما تبقى من تحديات كبيرة جلها عودة المهجرين واستبدال خيم اللجوء بسقف الوطن ورفع العقوبات الأميركية والأوروبية ..
من حق الشعب السوري الذي كسر قيد الطغيان أن تنزع عنه قيود العقوبات الاقتصادية التي تحملها قسوتها يوم استهدفت النظام فركل بظلمه على معدة التجويع وأكل لحم الشعب حين جاع.. وتغول!