“الثورة” تتابع ملف السيولة النقدية.. خبير اقتصادي: الإجراءات الفاسدة للنظام البائد أدت إلى انخفاض الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري
الثورة – رولا عيسى وكلوديا حسن:
تتابع صحيفة الثورة ما بدأته من طروحات وأفكار حول ملف العمل المصرفي، وهو يحمل تركة ثقيلة من الممارسات والسياسات الخاطئة والنزيف المستمر للقطاع الاقتصادي، بدل أن يكون أداة وسنداً حقيقياً لنمو مختلف القطاعات في سوريا.
الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي الدكتور حسن حزوري يعتبر- في حديثه لصحيفة الثورة، أنه من المفترض أن تكون إجراءات حبس السيولة وتقييد حركة نقل وتحويل الأموال، هي إجراءات مؤقتة تهدف غالباً إلى مواجهة أزمات اقتصادية.. مثل التضخم أو عدم استقرار سعر الصرف، وهذه السياسة بدأت من عهد النظام البائد.
شلل الحركة التجارية
ولفت إلى أن استمرار هذه الإجراءات أدى إلى آثار سلبية انعكست على الاقتصاد والمجتمع بشكل عام، وشلت الحركة الاقتصادية في مختلف القطاعات، ولاسيما الإنتاجية والتجارية.
تقليص الطلب على السلع
وقال: أدت الإجراءات المصرفية في حقبة النظام البائد إلى انخفاض الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري من جهة، وإلى تقليص الطلب على السلع والخدمات، ما دفع أصحاب الشركات الصناعية والتجارية إلى تقليل الإنتاج وتسريح العمالة، وبالتالي ارتفعت معدلات البطالة نتيجة نقص السيولة التي أدت إلى صعوبة تمويل الفعاليات الاقتصادية لعملياتها الجارية، ما أجبرها على تسريح الموظفين أو إغلاق أبوابها.
الاقتصاد غير الرسمي
وبين أنه في ذات الوقت أدت إجراءات منع نقل الأموال إلى زيادة حجم الاقتصاد غير الرسمي، حيث لجأ الأفراد والشركات إلى الاعتماد على قنوات غير رسمية لتحويل الأموال أو تبادل السلع والخدمات، وإلى فقدان الثقة في النظام المالي والمصرفي من قبل المواطنين ورجال الأعمال ومختلف الفعاليات، ما أدى إلى خلق شعور لدى المواطنين بعدم الأمان المالي.
من هنا، وبناء على ما ذكر سابقاً، وبعد التحرير ومن خلال المراجعة الشاملة لإدارة مصرف سورية المركزي لكل القرارات المتخذة في عهد النظام البائد، يؤكد حزوري أهمية قرار مصرف سورية المركزي، بفتح سقف الحوالات المالية الداخلية، من أجل تنشيط الأعمال التجارية والصناعية، وإعادتها إلى وضعها الطبيعي، ولاسيما أن قسماً هاماً من هذه الحوالات تكون تسديداً لثمن بضائع وطرود داخلية، تم شحنها من قبل شركات النقل والشحن.
إلغاء سقف الحوالات
وحول قرار المصرف المركزي بإلغاء القرار السابق المتضمن تحديد سقف الحوالات المالية الداخلية اليومي بمبلغ 5 ملايين ليرة سورية من قبل شركات الحوالات المالية، بين الدكتور حزوري أنه إجراء سليم، وسيؤدي إلى انتعاش للوضع التجاري والصناعي والاقتصادي بشكل عام، وزيادة حركة الأموال بين مختلف المدن والبلدات السورية.
تعزيز الثقة المصرفية
وأضاف: لا شك أن إلغاء قرار تحديد سقف الحوالات سيؤدي إلى تعزيز الثقة بالنظام المالي، وبالتالي سيؤدي ذلك إلى زيادة الاعتماد على التسديد عبر الحوالات المالية الداخلية من خلال شركات الحوالات، أو عبر التحويل من خلال الحسابات المصرفية.
تحسين بيئة العمل
وعن تحسين بيئة العمل المصرفي، يقول الخبير الاقتصادي والمصرفي: إن الخطوة تتطلب التعامل مع مجموعة من العوامل الاقتصادية والتنظيمية والتقنية والبشرية.
ويشير إلى أن تحسين البيئة التشريعية والتنظيمية يحتاج إلى تحديث القوانين المصرفية وتعزيز الرقابة، ومحاربة الفساد المالي والإداري في المؤسسات المصرفية.
البنية التحتية
أما بشأن تعزيز البنية التحتية التقنية، يرى الدكتور حزوري أنها تحتاج إلى تعزيز التحول الرقمي من خلال الاستثمار في التكنولوجيا المصرفية وتطوير الأنظمة الرقمية لتقديم خدمات الكترونية آمنة وسريعة، وأيضاً تعزيز الشمول المالي والأمن السيبراني لتجنب الاختراقات والجرائم الالكترونية.
تطوير الموارد البشرية
ويؤكد أنه يجب أن يترافق ذلك مع تطوير الكوادر البشرية وتحسين الخدمات المصرفية من خلال تنويع المنتجات وخفض التكاليف والتواصل مع العملاء، وتسهيل الوصول إلى الائتمان بمختلف أشكاله بما يخدم التنمية المستدامة.
وحول القرارات المصرفية الأكثر ضرورة في المرحلة الحالية، لفت إلى أنها تتمثل في تعزيز استقلالية البنك المركزي، كجهة مستقلة مسؤولة عن استقرار الليرة السورية وإدارة السياسة النقدية بعيداً عن التدخل السياسي، ومعالجة استقرار سعر الصرف ودعم الاحتياطيات النقدية ومكافحة التضخم، والعمل على إنشاء صندوق سيادي لدعم الاستقرار الاقتصادي.
التركيز على محورين
وعليه – بحسب الخبير الاقتصادي والمصرفي- فإن القرارات المصرفية الضرورية يجب أن تركز على محورين أساسيين الأول: التخفيف من القيود المفروضة على حركة السيولة النقدية والسحب من الحسابات المصرفية والصرافات الآلية من أجل عدم تجنب الآثار السلبية على النشاط الاقتصادي.
نقاط الدفع الالكتروني
ويشير الخبير الاقتصادي إلى أمر ثان، وهو تشجيع مختلف الفعاليات التجارية والاقتصادية والخدمية للتعامل مع نقاط دفع الكترونية أو من خلال تطبيقات الكاش والتسديد الإلكتروني، من أجل الانتقال تدريجياً إلى الاقتصاد الرقمي والدفع الالكتروني، للتقليل من اللجوء إلى استعمال النقد الورقي.
وعن تأثير ظاهرة الصرافين العشوائيين على سيولة المصرف المركزي وعلى سعر الصرف قال: إن انتشار الصرافين العشوائيين وغير المرخصين يعد من أكبر التحديات التي تواجه استقرار النظام النقدي في أي دولة، ولاسيما أن انتصار الثورة السورية وسقوط النظام البائد، ألغى بشكل عملي كل قوانين تجريم التعامل بغير الليرة السورية، وأدى ذلك إلى انتشار الصرافين العشوائيين وغير المرخصين وغير خاضعين لأي جهة رقابية وفيه مخاطر كبيرة أهمها ترويج العملات المزورة.
الخبير الاقتصادي يضيف إلى ما ذكر، تحويل السيولة من القنوات الرسمية إلى القنوات الموازية، وهذا يؤدي إلى تقييد قدرة المصرف المركزي على التدخل نتيجة نقص السيولة, كما أن وجود الصرافين العشوائيين له تأثير مباشر على سعر الصرف من خلال زيادة المضاربات والتلاعب بسعر الصرف، ما يؤدي إلى تقلبات شديدة في قيمة العملة المحلية، وهذا يعني ضعف السيطرة النقدية للمصرف المركزي، ما يفقده القدرة على إدارة السياسة النقدية الفعالة بسبب تراجع دوره في التحكم بالعرض والطلب على العملات.
ويلفت الخبير الاقتصادي إلى أهمية تحرك السلطات المختصة نحو تنظيم عمليات الصرافة من خلال إخضاع كل الصرافين، سواء أكانوا أشخاصاً طبيعيين أم اعتباريين للترخيص، مع السماح لكل الفعاليات التجارية والاقتصادية الأخرى التسعير بالليرة السورية، وبأي عملة أجنبية أخرى، مع التقيد بالنشرة الرسمية الصادرة عن مصرف سورية المركزي.
ويقترح أن تقوم كل المصارف بما فيها فروع المصرف المركزي وشركات الصرافة المرخصة، بشراء النقد الأجنبي ولاسيما الدولار، بالسعر الرسمي لنشرة المصارف والصرافة، من أجل تكوين احتياطيات نقدية تدعم خزينة المركزي، ولاسيما أن سعر الصرف في السوق الموازية هو أقل من سعر الصرف الرسمي، ما يجعل من ذلك حافزاً لجميع الأفراد للتصريف ضمن القنوات المصرفية النظامية.