الثورة – حسين صقر:
كثيرة هي الأخبار والتقارير التي تواردت عن حجم المآسي التي لاقاها معتقلو سجن صيدنايا سيئ السمعة والصيت، لكن يوماً بعد آخر تتكشف الكثير من الحقائق عن وحشية وسادية السجانين الذين وإن كانت تأتيهم الأوامر من فوضى الأسد المجرم، كانوا يتفنون ويبتكرون طرق تعذيب شتى فاقت في وحشيتها الفاشيين والعنصريين.
“غرف الملح” في سجون ومعتقلات نظام الأسد البائد، قصص مروعة يرويها معتقلون سابقون، وهو ما نشرته وكالة الأنباء الفرنسية لشهادات أدلى بها معتقلون سابقون في سجن صيدنايا، وهي بمثابة قاعات لحفظ الجثث بدأ النظام المجرم باستخدامها أول أيام الثورة التي انطلقت شرارتها الأولى في السادس عشر من آذار لعام 2011، وذلك مع ارتفاع أعداد الموتى المعتقلين داخل السجن.
التقرير يؤكد أن إدارة سجن النظام المجرم لجأت لغرف الملح لعدم وجود برادات تكفي لحفظ جثث المعتقلين الذين يسقطون بشكل شبه يومي فيه نتيجة التعذيب القاتل والمميت والحاقد.
معتقلون سابقون
هذا ويتحدث معتقلون سابقون ناجون من الموت الزؤام عن غرف الملح تلك، والتي كانت بمثابة قاعات لحفظ الجثث، ويقول المعتقل عبده أو رقم ١١٦- كما كانوا ينادونه، للوكالة: عندما تم نقلي من السجن إلى المحكمة في أحد أيام شتاء 2017، دفعه أحد الحراس داخل غرفة لم يرها من قبل، فإذا بقدميه الحافيتين تغوصان في كميات من الملح الصخري، الذي لم يذقه المعتقل عبده منذ أكثر من عامين أي قبل دخوله إلى السجن صيدنايا.
ويضيف: إن السجانين كانوا يمنعون استخدام الملح في طعام السجناء، لإضعافهم، فما كان منه إلا أن اغترف بيده كمية من الملح الذي يغطي الغرفة ليستمتع بمذاقه.
ولكن فرحته بتذوق طعم الملح لم تستمر، لأنه بعد دقائق قليلة فقط، تجمد رعباً عندما تعثر بجثة نحيلة ملقاة على الملح وإلى جانبها جثتان أخريان.
لحفظ جثث المعتقلين
ويضيف معتقل آخر ذو الرقم ٢٣٢٣، ولكون سجن صيدنايا يخلو من برادات لحفظ جثث المعتقلين، أو لعدد كاف منها، وهم ممن يسقطون بشكل شبه يومي فيه ويموتون تحت التعذيب أو القتل العمد، أو بسبب ظروف الاعتقال السيئة، لجأت إدارة السجن إلى الملح الذي يؤخر عملية التحلل.
وتضيف الوكالة: تبين أنه في سجن صيدنايا “غرفتا ملح” على الأقل، توضع فيهما الجثث حتى يحين وقت نقلها، في حين يغيب الملح تماماً عن كميات الطعام القليلة التي يحظى بها المعتقلون، على الأرجح لقتلهم بشكل بطيء.
ويوضح المعتقل، عند رؤية هذه المناظر يتجمد الإنسان خوفاً، وظننت أن هذا سيكون مصيري، وأنه حان دوري لإعدامي وقتلي ووضعي في تلك الغرف، ولهذا لم أعد أقوى على الحركة، جلست قرب الحائط وبدأت بالبكاء والابتهالات والأدعية، كي ينجيني سبحانه من هذا العذاب وليس الموت، لأن الأخير حق.
غرف الملح
ويصف المعتقل سلوم، ذو الرقم ١٩٠٠٠، أن أحد الغرف عبارة عن غرفة مستطيلة، ٦ أمتار بالعرض و٧ أو ٨ بالطول، وأحد جدرانها من الحديد الأسود يتوسطه باب حديدي، وتقع الغرفة في الطابق الأول من المبنى المعروف بالأحمر، وهو عبارة عن قسم مركزي تتفرع منه ٣ أجنحة.
لكن سلوم لم يتنفس الصعداء إلا بعد عودة السجان لوضعه في سيارة نقل السجناء، وتأكد أنه في طريقه إلى المحكمة.
ويضيف أنه أثناء خروجه من الغرفة، رأى قرب الباب أكياس جثث سوداء فارغة مكدسة، هي ذاتها الأكياس التي نقل فيها في أحد الأيام، وبأمر من الحراس، جثث معتقلين.
ويشير أنه بسبب ما رآه لم يعد يتأثر بأي شيء حتى وفاة أخيه الذي تلقى خبره بشكل طبيعي، ويقول: نتيجة الموت والعذاب والضرب كل شيء بات عادياً.
تجارب أخرى
ويروي معتصم ٤٢ عاماً للوكالة، أنه في غرفة مختلفة تقع في الجناح نفسه من الطابق الأول من المبنى الأحمر، هناك غرفة بعرض ٤ أمتار وطول ٥ أمتار، ولا يوجد فيها حمام، دخل معتصم تلك الغرفة يوم ٢٧ نيسان ٢٠١٤، ويومها، شعر وكأن قلبه سيخرج من صدره من شدة الخفقان، بعدما ناداه السجان لإطلاق سراحه، ولا يزال يتذكر كل تفاصيل ذلك اليوم، وبينها طعام الإفطار الذي كان عبارة عن قطعة خبز و٣ حبات زيتون.
ودع المعتقل رفاقه وسار غير مصدق أنه خرج، لكنه فوجئ بطلب منه، وهو دخول غرفة لم يرها سابقاً، غرقت قدمي في مادة خشنة، نظرتُ، فإذا به ملح بعمق ٢٠ إلى ٣٠ سم، مشيراً إلى أنه الملح الصخري ذاته الذي اعتاد على أن يرى شوالات منه على جانب الطرق خلال أيام الشتاء، والذي تستخدمه السلطات لتذويب الثلج المتراكم في الشوارع.
تذوق معتصم بعض الملح المحروم منه في السجن، لكن سرعان ما وقعت عيناه على ٤ أو ٥ جثث ملقاة في المكان، وأوضح أنه عندما دخل السجن عام 2011، كان يزن ٩٨ كغ، لكن حين خرج منه كان وزنه لا يتجاوز ٤٢ كغ.
وقال للوكالة: كانت الجثث تشبه المومياء، وكأنها محنطة، كانت عبارة عن هيكل عظمي مكسو باللحم يمكن أن يتفكك في أي لحظة”.
بقي معتصم في الغرفة 3-4 ساعات، ويقول: كان الملح يذوب من تحتي، من شدة تصبب العرق مني، وحكى أنه من شدة الخوف، تبول معتصم في الغرفة، ثم سارع إلى تغطية البول بالملح حتى لا يعرف الحارس.
حكايات رعب
ويروي الناجون من صيدنايا وسجون النظام البائد للوكالة، حكايات رعب لا تنتهي، وباتت رواياتهم جزءاً رئيسياً من تحقيقات تجري في دول غربية حول جرائم الحرب المرتكبة في سوريا.
#صحيفة- الثورة