الثورة – فؤاد مسعد:
سوريا بلد التاريخ المُغرق في القدم، تحت كل موطئ قدم أثر وحكاية تعود إلى غابر الأزمان، هو أمر نتلمسه عبر الكثير من المكتشفات الأثرية في العديد من المناطق على مساحة الوطن، وليس أدل على ذلك أكثر من المعروضات الموجودة في المتاحف السورية، وخاصة في المتحف الوطني بدمشق.
واليوم تتطلع المديرية العامة للآثار والمتاحف إلى النهوض بواقع العمل الأثري في مختلف المجالات، فالمهمة كبيرة والعمل كثير، ولكن ما الأولويات وكيف يمكن تطوير آلية العمل؟ وماذا عن البعثات الأثرية والمكتشفات وعمليات الترميم وواقع المتاحف الموجودة في المحافظات؟ وهل ستُقام معارض خارج سوريا؟ وهل سيتم تأهيل المواقع التي تعرضت للتخريب؟ وما حقيقة وقوع عمليات نهب وسرقة لهذه المواقع؟.
عديدة هي الأسئلة التي وجهنا بها إلى الدكتور أنس حج زيدان المكلف بتسيير المديرية العامة للآثار والمتاحف، والحصيلة نرصدها عبر السطور التالية:
ـ أين تكمن أولويات العمل اليوم في المديرية العامة للآثار والمتاحف؟
بعد أربعة عشر عاماً من الثورة السورية المباركة، تم تحرير سوريا بشكل كامل وعودتها للحرية والكرامة، واليوم لدينا في المديرية العامة للآثار والمتاحف أولويات واستراتيجيات نعمل عليها، من أهمها تطوير الكادر وتدريبه، إنشاء مشاريع خارجية كالعرض المتحفي، ترميم البُنى التحتية التابعة للمديرية، تأمين التجهيزات والمعدات اللازمة للعمل لأن المديرية تفتقر لها بشكل كبير، إضافة للبرامج وخاصة برامج توثيق المعطيات و”الداتا” في كل قسم وكل مديرية مركزية في المديرية العامة للآثار والمتاحف.
نحو تنظيم قانون البعثات الأثرية ووضع قانون جديد للآثار
وفيما يتعلق بمواقع التراث العالمي في سوريا فإننا نعمل على نزعها من لائحة التراث المهدد بالخطر إلى لائحة التراث العالمي، حيث وضِعت هذه المواقع على لائحة التراث المهدد بالخطر عام 2013، ونسعى اليوم إلى إزالة بعض المخالفات بالتنسيق مع بعض المنظمات الدولية كمنظمة اليونسكو ومنظمة الاكموس ومنظمة الايكوم.
وهناك استراتيجيات عمل عبر ربط الدوائر الفرعية بالمديرية العامة، وربط المتاحف الفرعية بمتحف دمشق الوطني، من خلال برامج أرشيف وتوثيق الكترونية، كما نعمل على تطوير طرق العرض المتحفي ومعرفة وتوثيق الأضرار والتعديات التي حدثت، في المواقع الأثرية والمتاحف في كل أنواعها في المحافظات، والقيام بعمليات جرد للمتاحف.
ـ ما مفردات المشروع الذي تسعى إلى تحقيقه؟ ما الرؤيا المستقبلية وما حدودها؟
تعمل المديرية العامة للآثار والمتاحف جاهدة على القيام بعدة مشاريع، والربط مع مؤسسات خارجية في مختلف دول العالم، وتنظيم قانون البعثات الأثرية، ووضع قانون جديد للآثار، لأن القانون السابق فيه ثغرات وفجوات لا تتطابق مع الوقت الحالي والمعايير الدولية، إضافة إلى وضع لائحة داخلية جديدة للقيام بالعمل، وتنظيم المديريات والدوائر وشبكها مع إدارة مركزية واحدة.
ـ هل هناك جدول زمني لتحقيق ذلك؟
لدينا برنامج عمل يحتاج إلى مدة زمنية لا تقل عن ستة أشهر، وهناك تنظيم مؤتمرات مع العديد من البعثات الأثرية خارج سوريا، ومع الجهات التي لديها مشاريع ولا تزال مستمرة في مشاريعها حتى وقتنا الحاضر. وقد زارنا العديد من الوفود للقيام بمشاريع ترميم وعرض متحفي، كما نسعى إلى القيام بالعديد من المعارض الخارجية في دول العالم، والتي تساعد على التعريف بالهوية الثقافية السورية والفكر السوري من خلال المكتشفات الأثرية.
ـ ما الثمار التي نتجت عن زيارة عدد من السفراء للمديرية العامة للآثار والمتاحف، وتواصلكم عبر “منصة زووم” مع البروفيسور باسكال بوترلان رئيس البعثة الفرنسية في مدينة ماري والدكتور لوران كولونا ديستريا مختص اللغات القديمة؟
قمنا بالعديد من الاجتماعات مع البعثات والهيئات الدولية وبعثات الترميم وبعثات الدراسات والبحوث الأثرية وكانت هناك نتائج لذلك. كما زارنا العديد من الوفود السياسية كالسفير التركي والسفر الإيطالي والتقينا السفير الباكستاني بهدف تطوير العمل وتحسين جودته.
وفيما يتعلق بالتواصل مع الجانب الفرنسي، فلدينا معرض في معهد العالم العربي في فرنسا، وقد انتهت مدته، وتواصلنا لإعادة القطع أصولاً حسب القوانين المعمول بها، وأخذنا وعوداً بإعادة القطع في القريب العاجل، وهي تعود للفترة الكلاسيكية.
ـ تحدثت عن إقامة معارض خارجية، كيف تتم عملية العرض وهل تُعرض القطع الأصليّة أم نسخ مُجسّمة عنها؟
القطع الموجودة في المعارض الخارجية أصليّة وليست نسخاً، ولدينا معرض مستمر في الصين، وكان هناك معرض في فرنسا، وأقيم عام 2015 العديد من المعارض، وننسق الآن لعدد كبير من المعارض القادمة.
ـ عبر جولتك في المتحف يوم افتتاحه مجدداً بعد التحرير كنت تطرح رؤى ومقترحات وهواجس، ماذا عن هذه الرؤى؟
نعمل دائماً وفق برامج عمل، نضعها وندرسها ونرى آلية تطبيقها ونسبة تنفيذها، فالعمل بحاجة إلى طرق مدروسة وواضحة للجميع توضع وفق معايير وقوانين. ووضعنا العديد من البرامج لمناقشتها مع المختصين، كما أن هناك نقاشات مع الزملاء داخل وخارج سوريا لتطوير العمل في المستقبل.
ـ هل هناك خطوات سنلمسها قريباً في متحف دمشق الوطني؟
نسعى إلى القيام بالعديد من المعارض الخارجية في دول العالم
لدينا العديد من الخطوات، منها عملية ترميم للمتحف، وإعادة عرض متحفي وتغيير نوعية وآلية القطع، فهناك قطع معروضة منذ عشرات السنين ولا تزال في مكانها وهي بحاجة إلى تبديل خاصة أن المستودعات تحوي العديد من القطع، والهدف من ذلك تعريف الزائرين والسائحين بأهمية التراث والفكر والثقافة السوريّة.
ويُقسّم المتحف إلى خمسة أقسام “عصور ما قبل التاريخ، الشرق القديم، العصور الكلاسيكية، الفترة الإسلامية، الفن الحديث”. وفي جناح العصور الكلاسيكية هناك قطع تعود إلى آلاف السنين.
ـ هل تحتاج القطع التي لم تُعرض بعد إلى ترميم؟
هناك قطع ليست بحاجة إلى ترميم وأخرى بحاجة، وضمن هذا الإطار نعمل جاهدين على تجهيز المعامل الفنية والمخابر في المديرية العامة للآثار والمتاحف وفروعها في المحافظات.
ـ إلامَ أفضت الجولة التي قمتم بها على المتاحف في المحافظات؟ كيف وجدت واقعها؟ وما الرؤية حول تطوير آلية العمل فيها؟
كانت الجولة جيدة، وتم خلالها الاطلاع على الواقع الإداري والأثري والفني والتقني في المحافظات ضمن الدوائر والمتاحف والشعب، والعمل على تجهيز رؤى جديدة بالتعاون مع المدراء الموجودين في المحافظات. كما تم احعصاء بعض الأضرار والتعديات، ونسعى جاهدين للعمل على برامج لإحصاء الأضرار التي حصلت في المواقع الأثرية. علماً أن جميع المتاحف في دمشق والمحافظات مفتوحة ومُتاحة للزوار، ويبلغ عددها الإجمالي حوالي أربعين متحفاً.
ـ كيف سيكون شكل التعاطي مع إعادة تأهيل المواقع التي تعرضت للتخريب؟
لا يمكن القول إنه تم تخريبها بشكل كلي، وإنما هناك بعض الأضرار التي حصلت، وقياساً لما حصل في دول العالم من كوارث وحروب تبقى هذه الأضرار بسيطة ولا تؤثر على السويات الأثرية من الناحية الأثرية والتاريخية بشكل كبير، بالتالي هناك أضرار وتعديات ولكن لم تؤدِ إلى تخريب الموقع.
ـ ما حقيقة ما جرى من عمليات نهب وسرقة لهذه المواقع؟
هذه العمليات كانت عملاً ممنهجاً من قبل النظام المخلوع السابق، ليبسط نفوذه على هذه المؤسسة، وجاءت نتيجة إبعاد المجتمع عن الآثار وعدم تعريفه وربطه بهويته وعاداته وفكره وثقافته، ليصبح هناك فجوة بين التراث والمجتمع. فعادة المجتمع المحلي هو من يحمي المتاحف وقت الكوارث والحروب.
ـ كيف نشجع الناس ليحافظوا على ما يجدونه من آثار، خاصة أنه كيفما سرنا في أرجاء سوريا هناك أثر في عمق الأرض؟
هذا الأمر بحاجة إلى توعية عن طريق وسائل الإعلام والمحاضرات والندوات، ودعوة المجتمع المحلي إلى زيارة المتاحف لرؤية تركة أجداده، لأن تحت ضربة كل معول هناك أثر.