الثورة – رفاه الدروبي:
نظمت جمعية القصة والرواية حواراً حول “الحرية والمنفى في الرواية والأدب” لدى الكاتبين محمد الماغوط وحيدر حيدر أنموذجاً في مقر اتحاد الكتاب العرب في سوريا.
كاتب البأس والقوة
رئيس الجمعية الروائي عماد نداف اعتبر أن أدب المنفى نتاج أوروبي بامتياز، ازدهر ما بين الحربين العالميتين عندما سادت الأنظمة العسكرية الشمولية، وسار على هديه بعد ذلك أدب أمريكا اللاتينية عندما اعتلت الأنظمة الديكتاتورية سدة الحكم في تلك البلاد.
الروائي النداف رأى أن الحديث عن المنفى العربي يجعلنا نشير إلى نقطة مهمة بأنَّ الكثير من النقاد يغفلون عن أنَّ المبدع لم يتم بشكل قصري معلن من قبل السلطة برغبة ذاتية فيها الكثير من دوافع متوهمة عن واحات حرية التعبير والرؤى والأرزاق باعتبارها تقطف من الأشجار وفي حالة الكاتب والروائي والقصصي حيدر حيدر لابدَّ من الإشارة إلى أنَّه يعبِّر عن مشروع الرفض السياسي والاجتماعي والأدبي في سوريا بمرحلة ظهور الرواد في الأدب السوري الحديث ففي أوراق المنفى يسجل شهادات قاسية وجارحة عن زماننا العربي لذلك أطلق عليه كاتب البأس والقسوة والنهار المهزوم بالظلمة والحزن والموت المخيم فوق أرواحنا المستلبة والكئيبة.
ألم ومآسي
وأشار أمين سر الجمعية غسان حورانية إلى أنَّ شعلةُ حياةِ الماغوطِ الأدبيَّةِ بدأت بعدَ دخولِهِ السجنَ على خلفيَّةِ انتمائِهِ إلى الحزبِ القوميِّ السوريِّ كونه لم يدخلْهُ أصلاً انتماءً لمبادئِهِ، ولم يقرأْها أصلاً، بل دخلَهُ لقربِهِ من بيتِهِ واحتوائِهِ على مدفأةٍ تقيهِ البردَ، فحبّر في السجنِ قصيدتَهُ الأولى على أوراقِ السجائرِ عبّرَ فيها عن ألمِهِ ومآسيْ شعبِهِ، وبعد خروجِهِ عبرَ إلى بيروتَ هارباً مُطارداً، وكانتْ بيروتُ حينَها قبلةَ الشعراءِ المُثقّفِينَ، ويقولُ في أحدِ نصوصِهِ المنسجمةِ معَ العنوان نفسه:
في القريةِ يقولونَ لي: مكانُكَ ليسَ هُنا
في المدينةِ يقولونَ لي: مكانُكَ ليسَ هُنا
في الوطنِ يقولونَ لي: مكانُكَ ليس هنا
وفي المنفى يقولونَ لي: مكانُكَ ليسَ هُنا
أين مكاني إذاً؟ في الفضاءِ!
كانتِ الحرّيَّةُ الملاذَ أو المآلَ للفكرِ الأدبيِّ السياسيِّ للماغوطِ، وكانَ للبيئةِ السياسيَّةِ والاجتماعيَّةِ المضطربةِ دورٌ في تشكيلِ ثقافتِهِ، وتوجّهِهِ وتكوينِ حياتِهِ الأدبيَّةِ، فاستخدم الأدبَ الساخر وسيلةً للتعبيرِ عن اشتياقِهِ للحرّيَّةِ ورفضِه حياةَ المنفى والظلم والقمع والاستبدادِ،
واعتبره الكثيرونَ مرآةً حقيقيَّةَ للقلوبِ المُتألّمةِ كادَ التوقُ للحرّيَّةِ يفتكُ بها، فحاولَ أنْ يخدشَ بأظفارِهِ الحادّةِ الوجهَ القميءَ للحاكمِ المستبدِّ؛ ليُحرِّكَ في القلوبِ المنكسرةِ الأملَ والوعْي بحتميَّةِ النجاةِ نحوَ الكرامة والعلياء، وعلى الرّغم مِنْ أنَّ هناكَ مَنْ اعترفَ بالماغوطِ كشاعرٍ، وقلّلَ مِنْ قيمةِ مسرحِهِ، ومنهم الشاعرُ ممدوحٌ عدوانُ حيث وصفَه بالرديءِ، على الرّغمِ مِنَ احتوائِهِ على موضوعاتٍ سياسيَّةٍ جريئةٍ.
لم يكتب عن المنفى
بدوره الكاتب أيمن الحسن أكَّد أنَّ الروائي حيدر حيدر لم يتطرق في موضوعه للمنفى لأنَّه كان من بين بعض الكتاب مَْن كانوا يكتبون والرقيب الداخلي لديهم والروح الأدبية لديه تشير إلى روحه في النص، لكن الروايات بينت على وجود خطأ ضمن إطار فني يأخذ مساره، ويقدم نتاجه، وخير مثالنا لكتابته رواية “وليمة لأعشاب البحر” حيث يلقي بنفسه في البحر ليصبح وليمة لأعشاب البحر، أمَّا روايته المنفى الداخل يشعر أنَّ كلِّ من حوله قصدوا دولة، والبطل نتيجة الحوادث يتذكر البطل إلى وجود أقربائه لزوجته في تركيا قرروا الهجرة.
أدب السجون
كما لفت الكاتب داوود أبو شقراء إلى أنَّ اختيار العنوان له أهميته الفنية، وإنَّ حيدر حيدر كان كاتباً مهماً وحتى روايته “وليمه لأعشاب البحر”، نشرت في الجزائر ولم ينتبه لها أحد بينما منعت في المغرب ومصر وسورية، ولكن عندما نشرت أخذت بعداً آخر لأنَّهم اكتشفوا فيها شيئاً ما، بينما رواية “شرق المتوسط” للروائي عبد الرحمن منيف شكَّلت صدمة لأنَّها كتبت عن أدب السجون.
دعوة الكتاب الأحرار
بينما دعا الكاتب سامر منصور إلى إقامة سلسلة فعاليات وندوات نقدية تتضمن القصص والروايات والنصوص المتمحورة حول معاناة أبناء شعبنا في الخيام وفي دروب المخاطر في غابات أوروبا ومعاناتهم مع موج البحار وعصابات التهريب بالقوارب المُتهالكة، ومآسيهم مع العنف الممارس من قبل العنصريين ضد تجمعاتهم في الدول التي لجؤوا إليها، كما أكَّد منصور ضرورة توجيه دعوات إلى الكتاب الأحرار ليكون لهم دورهم وحضورهم في أسرع وقت وإلى كل ما من شأنه كسر الجليد بين مؤسسة الاتحاد وبينهم وكي يطَّلعوا على تجارب الأدباء في الكتابة عبر الرمزية والتورية في انتقاد النظام البائد، ويُطلعوهم بدورهم على تجاربهم في الكتابة المتحررة من الخوف من قبضة الرقيب.
#صحيفة_الثورة