التناقضات النفسية.. بين انفعالات التواصل الاجتماعي وهدوء الواقع

الثورة – علا محمد:

تُعتبر وسائل التواصل الاجتماعي إحدى أبرز الظواهر التي غيرت طريقة تفاعل الأفراد مع بعضهم البعض وخاصة في الآونة الأخيرة، حيث وفرت هذه المنصات مساحة للتعبير عن الآراء والمشاعر بحرية، لكن هذا الانفتاح أحياناً يقود إلى صب العديد من الأشخاص لمشاعرهم السلبية بصورة غير مبررة.
في السياق نفسه نلاحظ أن العديد من الأفراد يظهرون حدةً واندفاعاً شديداً للدفاع عن آرائهم على الفيسبوك، بينما يظهرون سلوكاً أكثر تفهماً وهدوءاً في التفاعلات الواقعية.
هذه التناقضات يمكن أن تعود إلى مجموعة من العوامل النفسية والاجتماعية، والتي تستحق التحليل والدراسة لفهمها، وانطلاقاً من ذلك التقت صحيفة الثورة الاختصاصية النفسية غالية أسعيد وطرحنا بدايةً هذا السؤال:
لماذا يفضل بعض الأشخاص التعبير عن مشاعرهم الحقيقية على الفيسبوك بدلاً من الواقع؟
توضح الاختصاصية أسعيد أن السبب الأول هو حاجة الإنسان إلى مشاركة مشاعره والتواصل مع الآخرين فالإنسان بطبيعته كائن اجتماعي، وعندما يشعر بالحزن أو الفرح، يرغب في أن يشاركه الآخرون مشاعره، سواء بالمواساة أو التهنئة.
لكن في كثير من الأحيان، قد لا يجد الشخص في محيطه الواقعي من يفهمه أو يتفاعل معه كما يريد، فيلجأ إلى الفيسبوك لأنه يتيح له التعبير بسهولة وسرعة لذلك فإن مجرد كتابة منشور أو مشاركة حالة كفيلة بإيصال مشاعره إلى عدد كبير من الناس، مما يمنحه شعوراً بالاهتمام والتقدير.

الهروب من المواجهة
وتشير أسعيد إلى أن هناك أشخاصاً يجدون صعوبة في التعبير عن مشاعرهم وجهاً لوجه، سواء بسبب التربية، أو الخوف من الأحكام، أو طبيعة شخصياتهم، بالنسبة لهؤلاء، الفيسبوك يشكل مساحة آمنة يمكنهم التعبير فيها بحرية دون الحاجة إلى مواجهة ردود الفعل المباشرة.
وأحياناً، يكون الشخص نفسه غير متأكد من كيفية التعبير عن مشاعره في الواقع، فيجد في الكتابة وسيلة أكثر راحة ووضوحاً لنقل ما يشعر به.
وحول الإحساس بالأمان بوجود حاجز افتراضي، تقول الدكتورة: إن الكتابة على الفيسبوك تمنح الشخص إحساساً بأنه في منطقة آمنة، حيث يتحدث مع نفسه، لكن الآخرين يستطيعون سماعه والتفاعل معه.
هذا الشعور يمنحه حرية أكبر في التعبير، بالإضافة إلى ذلك، يمكنه اختيار كلماته بعناية، وتحريرها أو تعديلها قبل نشرها، مما يقلل من القلق الذي قد يشعر به عند الحديث المباشر.
أما عن سبب دفاع البعض عن آرائهم بشراسة على الفيسبوك، وهم في الواقع أكثر هدوءاً وتفاهماً؟! فقد بينت أسعيد أن ذلك يعود إلى الإحساس بالقوة من وراء الشاشة فعندما يكون الشخص خلف الشاشة، يشعر بأنه أقوى لأنه بعيد عن المواجهة المباشرة حيث لا توجد نظرات مباشرة، ولا نبرة صوت قد تجعله يتردد أو يعيد التفكير، مما يجعله يتحدث بثقة أكبر، وأحياناً بحدة أكثر من المعتاد.
غياب التواصل الإنساني المباشر
ففي النقاشات الواقعية، تؤثر تعابير الوجه ونبرة الصوت ولغة الجسد في طريقة استقبال الكلام، مما يخفف من حدة النقاشات، أما على الفيسبوك، فهذه العناصر غير موجودة، مما يجعل النقاشات تبدو جافة وأحياناً عدوانية، لأن كل طرف يقرأ الكلمات دون أن يشعر بإحساس الآخر.
والقيود الاجتماعية في الواقع مقابل الحرية على الفيسبوك، تؤكد أسعيد أنه في الحياة اليومية، يحرص الشخص على الالتزام بالأعراف الاجتماعية والخوف من ردة فعل الآخرين، فلا يكون صدامياً أو هجومياً كما هو الحال في الفيسبوك، حيث يشعر بحرية أكبر في التعبير دون قيود، كما أن الجدال في الواقع قد يسبب توترات غير مرغوبة، في حين أن الفيسبوك يسمح للشخص بالانسحاب في أي لحظة دون عواقب كبيرة.
التوتر والضغط النفسي
ما يحدث حالياً أن المجتمعات تمر بظروف صعبة تؤدي إلى زيادة الضغوط النفسية، ما يجعل الناس أكثر حساسية تجاه أي موضوع للنقاش. لذا، عندما يُفتح أي نقاش على الفيسبوك، يجد البعض في ذلك فرصة لتفريغ مشاعر الغضب أو الإحباط، مما يحول الحوار أحياناً إلى معارك كلامية بدلاً من نقاشات موضوعية.
باختصار: أصبح الفيسبوك وسيلة للتعبير بحرية عن المشاعر والآراء، لكنه في الوقت ذاته أصبح ساحة للنقاشات الحادة بسبب غياب المواجهة المباشرة.
أما في الواقع، فإن القواعد الاجتماعية والقيود المفروضة على العلاقات الإنسانية تجعل الناس أكثر حذراً في التعبير عن آرائهم ومواقفهم.

 

آخر الأخبار
الغاز يودع التقنين بعد إلغاء العمل بنظام "البطاقة الذكية" ضخ المياه من سدود طرجانو والحويز وبلوران باللاذقية  ألمانيا تقدم دعماً مالياً إضافياً لمبادرة "غذاء من أوكرانيا لسوريا"   بريطانيا تجدد التزامها بدعم العدالة وتعزيز سيادة القانون في سوريا  أزمات فنية وتقنية في أجهزة  "وطني" السويداء ... والكوادر تطالب بتدخل عاجل من "الصحة"   لقاء اتحادي التجارة السورية والخليجية..  الشرقي: سوريا تمتلك فرصاً استثمارية واعدة   دعماً لاستقرارهم.. مشروع لإعادة تأهيل مساكن الأطباء بحلب  ورشة عمل مشتركة بين وفدي دمشق وريفها وأمانة عمّان لتعزيز التعاون  تدابير احترازية في اللاذقية لتلافي أخطار الحرائق   فرص التصدير إلى الأردن على طاولة غرفة صناعة دمشق    الاجتماع الأول للمجلس الاستشاري  "النقل": تطوير المنظومة بما يتوافق واحتياجات المواطنين     مبادرات للتعاون المشترك بين التعليم العالي ومعهد "BACT" في دبي      شركات رائدة تفتح آفاق الشباب في "ملتقى مهنتي المستقبلية" "للأونروا" د. سليمان لـ "الثورة": الإصلاح الصحي بتمكين الأطباء الموجودين علمياً عيون ترقب أولويات وضمانات الاستثمار ..هل تكون سوريا القبلة الأولى ؟ بمشاركة 100علامة تجارية.. مهرجان النصر ينطلق غداً في الكسوة    الأطفال أكثر إصابة.... موجة إسهال تجتاح مدينة حلب الامتحانات تطفئ الشبكة .. بين حماية النزاهة و" العقاب الرقمي الجماعي " ! خطر صامت يهدد المحاصيل والماشية.. حملة لمكافحة "الباذنجان البري" بحلب  التحول الرقمي ضرورة لزيادة إنتاجية المؤسسات